"ما أنصح به كل قائد هو أنّ كمية الكتب التي يضعها فوق مكتبه يجب ألاّ تحجب عنه رؤية الحقيقة والواقع": تذكرت هذه المقولة للزعيم الصيني ماو تسي تونغ وأنا أقرأ الخبر التالي في آخر الأسبوع الماضي:
"أعلنت هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة عن تأجيل جلسة التحقيق المقررة اليوم الجمعة مع المحامي والسياسي لزهر العكرمي بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب إلى يوم 17 ماي القادم. وأرجعت هيئة الدفاع سبب التأجيل إلى "عـــدم تـــوفـــيـــر ســـيـــارة نـــقـــل تـــحـــتـــرم أدنـــى الـــمـــعـــايـــيـــر الإنـــســـانـــيـــة للـــتـــنـــقـــل مـــن الـــســـجـــن إلـــى الـــقـــطـــب".
والحقيقة التي لم يكتشفها إلا الآن الموقوفون في المرناقية -فرّج الله كربهم- هي أن السيارة المستعملة لنقل السجناء (التي لا تليق بنقل الآدميين حسب وصفهم لها) ليست إلا نقطة من بحر مما لا يليق بالبشر، والذي طالما اشتكى منه حتى المواطنون العاديون الذين لم يقضوا إلا ليلة واحدة في مركز الإيقاف ببوشوشة مثلا.
"قلبي دم" على مجموعة الموقوفين، ولكنْ عزاؤُنا الوحيد انهم ربما يوم يستردون حرياتهم قد "يعدلون ساعاتهم" ويناضلون مستقبلا أولا وفي المقام الأول من أجل حقوق الناس البسطاء، بعيدا عن النظريات التي لا تعني لهم شيئا، ومنها مثلا حقوقهم في حفظ كرامتهم بمراكز الإيقاف والسجون، كأنْ لا يتم نقلهم في سيارات لا تختلف كثيرا عن العربات المعدّة لنقل الحيوانات الضارية، حسب ما جاء في وصف بعضهم للسيارة التي يرفض الموقوفون التنقل على متنها.
فلا مجال لأن نعيش في بلد تُحترم فيه الكرامة البشرية ما لم يصبح لنا مواطنون يُعاملون كآدميين. وهذا يقتضي أن نؤجل قليلا الخوض في القضايا الكبرى للخوض في المشاكل اليومية الحارقة التي تهم عموم الناس مباشرة. وعندها يمكن أن نلومهم لمّا نراهم ساكتين ولامبالين أمام ما يتعرض إليه السياسيون من محن، كما هم فاعلون اليوم.