أجرت الصحفية منارة تليجاني اليوم الثلاثاء بموقع الجمهورية حوارا شيقا مع الروائي الهادي التيمومي سألته فيه عن استعداده هذه الأيّام لإصدار مولود أدبيّ جديد تحت عنوان "قبّعات متكبّرة" فكان الجواب التالي:
روايتي قبّعات متكبّرة هي لبِنة أخرى ضمن مشروعي الرّوائيّ، تجري أحداثُها في فترة ما بعد الاستقلال، فترة بناء الدّولة الوطنيّة في تونس، التي جاءت بِقيم الحداثة لِتُواجه بها مجتمعا بدويّا تقليديّا. كان المجتمع التّونسي آنذاك ذا مرجعيّة فكريّة تراثيّة تستند إلى النّقل وتتوجّس من الاجتهاد، وكان مجتمعًا رعويّا مُترحِّلا [عدا بعض الحواضر التي يغلب عليها الاستقرار]، مجتمع يتكوّن من تشكيلات قبَليّة أكثر تجذّرا من النّزعة الوطنيّة، ويُقدّس السّلفَ والأولياء والقبيلة.
وضعت الدولة الوطنيّة الجديدة على عاتقها مهمّة التّحديث الفكريّ والاجتماعيّ، وإن اقتضى ذلك استعمال أدوات قمعيّة، أمّا المجتمع التّقليديّ فقد دافع بشدّة عن قيمه وموروثاته وعقائده ضدّ جهازَ الهيمنة الذي أراد تغيير نمط عيشه وتفكيره، وسعى إلى تفكيك الجهويّة والقبليّة لإرساء هويّة وطنيّة أوسع…، تتأطّر أحداث الرّواية ضمن ذلك الصّراع الذي اتّخذ أوجُهًا عديدة بين الحداثة الوافدة والمجتمع المُحافظ.
هناك أوجُه تشابه وأوجه اختلاف بين "قبّعات متكبّرة" وروايتي السّابقة "قيامة الحشّاشين"، فكلتاهما تُوظّفان أحداثا وشخصيّات ضمن سياق تاريخيّ مقصود من أجل تفكيكه وإعادة قراءته، مع خلق المتعة لدى القارئ بالطّريقة المُتوخّاة في بِناء اللّغة وتدفُّق السّرد وتشابك الأحداث. لكنّ بين الرّوايتين فرقًا مثلما يكون بين الوجه الجدّيّ العابس والوجه السّاحر الضّحوك.
"قبّعات متكبّرة" تعتمد أسلوب الدّعابة والسّخرية، وتَشيع على امتداد صفحات طويلة منها أجواءُ المرح الهازِئ، وبذلك تختلف كثيرا عن الطّابع الرّصين وأجواء الخوف التي تطغى على "قيامة الحشّاشين". الذين ارتعبوا وهم يقرؤون "قيامة الحشاشين" آن لهم أن يتنفّسوا الصّعداء حين قراءتهم "قبّعات متكبّرة"!
الاختلاف بين الرّوايتين هامّ في نظري لأنّه يَمنع مِن سَجني في قالب صنعه نجاحُ إحداهما. نجاحُ عمل روائيّ قد يُغري الكاتب بعد ذلك بِتكرار نفسه، ويصبح قيدا لا يمكن الخلاص منه، فضلا عن أنّ القرّاء يضعون الكاتب في ذلك القالب ويرفضون صورتَه الجديدة مِن خلال عمله الجديد. نذكر مثلا كيف صار الرّوائي محمد شكري مرهَقا كلّ الإرهاق بِنجاح "الخبز الحافي"، إذ تحنّطت هناك نظرةُ القرّاء إليه…، لذلك جعلتُ روايتي الجديدة سَردًا مُختلِفًا يَكسر الطّوق الذي قد يَفرضه عليّ نجاح "قيامة الحشّاشين".