أسدل الستار مساء الجمعة 30 ديسمبر على فعاليات الدورة 41 لمهرجان الزيتونة الدولي بالقلعة الكبرى بعرض موسيقي متميّز للفنان حسان الدّوس.
أمام جماهير غصّت بها مقاعد مسرح دار الثقافة بالقلعة الكبرى أدى ابن الجهة الفنان حسان الدوس باقة من أجمل أغانيه تفاعل معه الحضور بشكل لافت. فور اعتلائه ركح المسرح قوبل الدوس بوابل من التصفيق والهتافات المرحبة به. ولم يبخل ابن ولاية سوسة على جمهور المهرجان الذي يلتقيه للمرة الأولى برد التحية بأحسن منها حيث أمتع وأقنع وحوّل السهرة الى احتفال جماعي شارك فيه الجمهور بكل جوارحه. فتعالت الأصوات مرددة الأغاني واشتعلت أضواء الهواتف تفاعلا مع الألحان وتحفيزا للفنان وانبهارا بقدراته الصوتية وحضوره الركحي اللافت هذا دون التغافل طبعا عن انسجامه الكبير مع أعضاء الفرقة الموسيقية المتميزة بقيادة المايسترو الناصر العفريت وجهاد جبارة.
وفي تصريح لرياليتي اونلاين عبر الفنان حسان الدوس عن إعجابه الشديد بمدى التفاعل الجميل الذي ابداه جمهور مهرجان الزيتونة المتكون في جزء كبير منه من الشباب. واعتبر الدوس هذا التفاعل رسالة ايجابية تؤكد "انتفاء الكليشيهات القديمة التي تعتبر أن الجمهور التونسي لا يقبل الموسيقى الكلاسيكية". ويرى الدوس الذي يتميز بطابعه الكلاسيكي و الأوبرالي أن هذا الحفل يعتبر مميزا في مسيرته بالنظر إلى طبيعة الجمهور الذي واكبها. وللإشارة فقد أصدر حسان الدوس الذي سيقدم في شهر جانفي القادم حفلا في إحدى أفخم القاعات ، أغنية جديدة باللهجة المصرية وعنوانها "سنيورة".
مهرجانات تتلاطمها أمواج الصراعات…
ليس بخاف على أحد ما يحدث في كواليس مهرجان الزيتونة الذي يعيش أصعب فتراته التاريخية منذ التأسيس في بداية السنوات الثمانين من القرن الماضي. فهذا الصّرح الذي شيده ثلة من أبناء البلدة وسعوا الى الارتقاء به إلى أعلى المراتب وشهد أزهى أيامه بات ضحية للعديد من العوامل التي ساهمت بقسط وافر في إخماد شعلته وبريقه بصدد التهاوي شيئا فشيئا لولا صمود البعض من أبنائه وإصرارهم على الحفاظ على ديمومته رغم الصعوبات الجمة والعراقيل المتعددة التي سيتم كشفها ذات يوم.
ولعلّ استقالة الدولة من دورها الأساسي في رعاية المهرجانات من خلال تحويلها إلى جمعيات ثقافية مستقلّة من أبرز هذه العوامل التي ادّت الى اضمحلال بعض المهرجانات أو انحسارها في البعد الوطني والحال أنها مهرجانات دولية. ولعلّ ما حدث في السنة الفارطة مع مهرجان سوسة الدولي أعرق المهرجانات الوطنية هو خير ترجمان لهذا الواقع المرير. حيث أن هذا القرار المتسرّع وغير المدروس ألقى بهذه التظاهرات في أتون الصراعات الداخلية والعجز على توفير الموارد المادية الكافية لتسيير أبسط النشاطات. والأدهى من ذلك أن بعض هذه الجمعيات وجدت نفسها في قلب المعارك السياسية حينا وصراعات النفوذ حينا آخر فحادت بالضرورة عن هدفها الثقافي لتتحول الى "طرف سياسي" يعادونه حينا ويجاملونه حينا آخر.
فانبرت بذلك معظم هذه الجمعيات تبحث بشتى الطرق إلى تمويل نشاطاتها في ظل شح الموارد ونفور المواطنين والداعمين عن العمل الثقافي. وفي حين انساق البعض منها وراء اغراءات السياسيين والنافذين، استبسل البعض الآخر في الحفاظ على استقلاليته والنأي بنفسه عن التجاذبات وهي قلة قليلة جدا.
ويٌعدّ مهرجان الزيتونة الدولي بالقلعة الكبرى إحدى التظاهرات الثقافية التي ذهبت ضحية هذه المشاكل المتفاقمة إذ في كل سنة ومع اقتراب موعد تنظيمه تشحذ السكاكين ويباع جلد الدب قبل صيده ويتم التسويق لفشل المهرجان مسبقا وقبل افتتاحه أصلا ويتم تحويله أحيانا الى قميص عثمان لضرب هذا و"سلخ" ذاك وبدل الالتفاف حوله وتوفير سبل نجاح هذا العرس الثقافي ينبري البعض في التقييم على أسس غير منطقيّة حينا والبعض الآخر على ضوء ما وصله من أصداء دون أن يكلّف نفسه عناء مواكبة ولو عرض واحد.
هذا المشهد المزري لا بد له من تغيير جذري حتى يجد الفعل الثقافي مكانه الذي يستحق في هذه المدينة التي تعج بالمثقفين والمفكرين والإعلاميين والإطارات العليا للدولة وحتى يعود لهذا المهرجان العريق ألقه وبريقه.
ولعلّ دعوة كل المهتمين بالشأن الثقافي من مسؤولين و متدخلين ممن تم ذكرهم آنفا الى جانب الممولين من رجال الأعمال ووجهاء المدينة حول نقاش بناّء وجدّي بعيدا عن المجاملة والتملّق وتزييف الحقائق لدعم هذا المهرجان وكل المبادرات الثقافية الجادة (وهي كثيرة ولا تحصى) هو الحل الأنسب للقطع مع هذه المظاهر السلبية التي تقسّم وتفرّق وتزيد في تأجيج الوضع الثقافي وترذيله.
محمد علي الصغيّر