إلى الشوارع الفلسطينية، يرجع المخرج السينمائي هاني أبو أسعد ليخوض بكاميراه صراعا داخليا يقوم على متناقضين: الولاء والخيانة ويقدم طرحا آخر للأوضاع في فلسطين عبر إثارة علل المجتمعات العربية في علاقة بالمرأة، في فيلم "صالون هدى" ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي.
ومن فكرة حقيقة تبدّت ملامح سيناريو لا يستفيض فيه الحكي كثيرا إنما يعتمد على العناصر البصرية لإقحام المشاهد في التفاصيل التي كلما انسابت تلبّست الأمور ببعضها البعض.
فالفيلم يقف في طريق ثالثة بين المتناقضات، يصورها على سجيتها لكنه يخفي ملامحها ويتعدّاها إلى بعد آخر أعمق، إلى ذلك الصراع الذي تتورط فيه الأنفس وهي تتمزق بين أفكارها وهواجسها.
والحكاية تنطلق من صالون حلاقة في بيت لحم تمتلكه "هدى"، تحوّل من مكان لتصفيف الشعر والزينة إلى فضاء لجر الحريفات إلى العمالة والجوسسة، لتتحول رحلة التغيير والبحث عن مظهر جديد إلى كابوس.
للحديث عن فيلم "صالون هدى" وعن الرؤية الإخراجية التقت حقائق أون لاين بالمخرج هاني أبو أسعد على هامش عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وكان الحوار التالي:
في الفيلم طرح مختلف تحضر فيه المرأة بقوة، رسائل كثيرة وراء هذا التوجه؟
القضايا النسائية مهمة جدا بمجتمعنا هذه الفترة لأنه كلما كانت المرأة قوية وعندها حقوقها كاملة في المجتمع كلما صار أكثر قوة، بعض الرجال يشعرون بالتهديد إذا المرأة كانت قوية وهذا يجعلهم ضعفاء. إذا كنت غير قادر على تحدي المراة فانت غير قادر على تحدي نفسك.
المرأة عامة يجب ان تكون هي العبرة بالمجتمع أكثر من الرجل، كل المجرمين بالعالم أغلبهم رجال، هناك نساء مجرمات، نعم، لكن أغلب الجرائم من قِبل الرجال.
المرأة في تفاعلها الوجودي مع الإنسان هي التي تحمل وتقاوم من أجل أن تنجب كائنا إلى الكرة الأرضية، أما الرجل فدوره في ذلك من خلال عشر دقائق لذة وهو لا يشعر بصعوبة الانجاب، هذا جعل من الحضور الإنساني أقوى عند المرأة، وهي لديها حساسية للإنسان أكثر من الرجل وبنظري هنا يجب أن تكون المساواة، يجب أن يكون الرجل متساويا مع المرأة وليس العكس.
في الفيلم نلاحظ تباطؤ السرد مقابل الاعتماد على التعبيرات الجسدية: لغة العيون، الانفعالات، ما مرد هذا الخيار؟
أنا لا أريد أن أكرر نفس الشيء، صنعت أفلاما فيها تسارع سردي وأردت أن أخوض تجربة جديدة واتحدى نفسي ليس كسينمائي فحسب بل كسيناريست ومفكر، كسينمائي شعرت أنه يجب أن أحكي القصة بطريقة مختلفة عبر السرد البصري.
الفيلم يحكي التناقضات داخل الإنسان، التناقضات بين الخير والشر، الولاء والخيانة. وهذه التناقضات في داخلك. سينمائيا حاورت التناقض بين الموضوعية والذاتية اذ لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر ، وكانت طريقة السرد مختلفة إذ كان غير لفظي.
التناقض، أيضا، بين الحياة والموت، البقاء عل قيد الحياة هو الدافع لارتكاب الأخطاء؟
لا قيمة للحياة دون الشعور بوجود الموت. كل معضلة الإنسان موجودة بهذا الصراع بين الحياة والموت، كلنا واعون بحتمية الموت لكننا نتصرف كأننا نعيش إلى الأبد.
أغلب مشاهد الفيلم صورت في أمكن مغلقة وتغلب عليها العتمة لكن في النهاية هناك ابتسامة أمل رغم الدموع؟
الحقيقة حاولت بهذا الفيلم أن أدخل في صراع داخلي، كلنا نعرف أن الاحتلال ارتكب جرائم كثيرة، لكن ماهي مسؤوليتنا نحن أمام هذه الجرائم وكيف نحصن أنفسنا منها. الاحتلال سيزول. السؤال الأهم: نحن كمجتمع لدينا امراض كثيرة، ماهي مسؤوليتنا حتى نقدر على معالجة أنفسنا منها؟
الدافع الأساسي أن أالتناقض في الإنسان بداخله وليس بخارجه، الاحتلال عامل خارجي والإنسان يمكن أن يكون عدو ذاته إذا لم يعرفها بما فيه الكفاية، يجب أن يكون عندك معرفة بذاتك حتى تتغلب على الصراع الخارجي، ركزت هذه المرة على الصراع الداخلي حتى يتوصل الإنسان من خلال مشاعره لتفكير أرقى مما هو عليه ليكون محصنا من الأمراض الموجودة بالمجتمع.
هنا نتحدث عن السينما وجها من وجوه المقاومة، بالنهاية نحن من نساهم في ترسيخ الاحتلال؟
لست في حاجة إلى الشرح أكثر، هذا واقعنا وما يحصل مخزٍ ومعيب، من غير المعقول أن تستقوى على أخيك بالاستقواء بالعدو، في النهاية الذي يدعو العدو لينصره في صراعه مع أخيه يجب ان يعرف ان الكل خاسر. هذا الفيلم يجعلنا نفكر أكثر بالسينما التونسية.
كيف تنظر إلى السينما التونسية؟
قبل أن أنطلق في صناعة الأفلام، شاهدتُ أفلاما تونسية. في البداية كنا نشاهد أفلاما مصرية وإلى اليوم مصر بلد مهم في صناعة السينما وعندي حب كبير لها، ولكن تونس عرفتني أن هناك سينما خارج مصر والشام (سوريا)، وأنا لا أنسى اللحظات الأولى عندما شاهدتُ "حلفاوين" و"صمت القصور" وهي أفلام كانت تمثل الموجة الجديدة للسينما التونسية التي انتشرت بالعالم، وطبعا بعدها أفلام عدة أتت من تونس وهي شرف لنا كلنا.