"هن" فيلم وثائقي في تجربة إخراجية أولى للصحفي شاكر بسباس من إنتاج أرتميس، وفيه يروي قصص ثلاث نساء تتقاطع دروبهن عند القتال من أجل الحياة ما استطعن إليها سبيلا.
امرأة اختارت أن تترهّب وثانية اقترنت بها صفة مطلقة وثالثة خانتها كليتاها، لكل منهن رواية مختلفة ومسارات متشعبة تلتقي جميعها عند الطفولة والأمل.
من الحكايات الثلاث ينسج شاكر بسباس وفريق العمل ملامح فيلم وثائقي يكتسي في بعض مشاهده صبغة روائية تخدم الرؤية الإخراجية وتنسجم مع البعد العاطفي الذي يوشح تفاصيل الفيلم.
في المصافحة الأولى مع العنوان قد يبدو نمطيا لا اجتهاد فيه ولكن بمجرد انطلاق سيارة الإسعاف في الرحلة نحو غرفة تصفية الدم تتبدى لك ملامح نساء كثيرات ترقص كل منهن على جرحها وهي تبحث عن بصيص الحياة في ثنايا الوجع، نساء كثيرات لا نعرفهن يجمعهن الضمير الغائب لجمع المؤنث "هن".
وعلى إيقاع حياة راهبة تعففت عن الزواج وإنجاب الأطفال يحيلك الفيلم إلى قيم التسامح وقبول الآخر والانفتاح على ثقافات أخرى ويستدر دمعك حينما تستبد عاطفة الأمومة بالراهبة وهي تحكي قصتها مع طفل تشبث بيدها.
آهات كثيرة ودموع وصرخات مكتومة تتجلى في مشاهد الفيلم حيث يحاكي البحر الملاذ والملجأ لامرأتين، للراهبة والمرأة التي واجهت المجتمع والمرض بعينين حالمتين رغم قسوة الواقع.
ومع كل خطوة تخطوانها تتبدى قصة امرأة تصارع من أجل حقها في الوجود، في الحياة، في الفرح، في الأمل، في الثورة، في الاختلاف، في الحرية.
وأنت تلاحق المشاهد المركّبة وفق تسلسل يتماهى مع نسق ارتطام عجلات سيارة الإسعاف وهي تطوي الطريق في اتجاه المستشفى، طريق يختزل معاناة المواطنين في الجهات وهشاشة البنية التحتية فيها ووجع عجز الأعضاء عن العمل بنسق طبيعي في دولة لا تحترم مواطنيها.
كثير من الصدق والواقعية يظهر في الفيلم الذي لا يخفي رؤية ذاتية لقصص النساء الثلاث التي وإن اختفت تفاصيلها وأفضت إلى وقائع وظواهر يعيش التونسيون على وقعها تلتقي عند حب الأطفال، فالراهبة نذرت حياتها لهم وبذلت الكثير من أجلهم، والأم التي تقاوم معاناة حصص تصفية الدم لا تفكر إلا في ابنيها، والأم التي تواجه المرض الجسدي والمرض المجتمعي بعد الطلاق لا تضع نصب عينيها إلا ابنتها.