"لاشيء تغير" هذه الكلمات التي دوت بصوت الممثلة وجيهة الجندوبي في نهاية فيلم "قدر" للمخرجة إيمان بن حسين تعكس واقع تونس بعد عشر سنوات من الثورة.
والفيلم في عرضه الأول بقاعة الكوليزي يتزامن مع فترة تراجيدية تعيشها تونس إثر غرق مركب صيد في جرجيس تداعت له الجهة حزنا وغضبا وسط استهتار السلطات في علاقة بالبحث عن المفقودين.
ورغم سقوط أوراق التوت وتعري الحقائق ظلت دار لقمان على حالها ولم يطل التغيير إلا السطح وظل العمق على حاله زاخرا بالعطن والعفن، تماما كحال تونس ثابتا لا يتبدل بل إنه ينحدر يوما بعد يوم إلى الأكثر سوءا.
فكرة الفيلم من بين نقاط قوته فهي تقوم على رغبة دفينة لطفل صغير في امتلاك حذاء وتتحقق هذه الرغبة لكن الحذاء يتملك الكهل الذي صاره ويطمس حريته وإنسانيته حتى بدا أشبه بالآلة.
على إيقاع هذه الفكرة تتواتر الأحداث التي يتمزق خيطها الناظم في بعض الأحيان فتبدو مبعثرة وتكشف عن بعض مكامن الضعف في كتابة السيناريو الذي كان من الممكن أن يكون أكثر حبكة وتماسكا.
وإن اختارت المخرجة إيمان بن حسين تقنية الفلاش باك فإن التقطيع التقني في بعض المواضع كان يخلو من التوازن كما أن بعض المشاهد تبدو ممططة ومطولة على وجود مبرر يرتكز على البناء السيكودرامي الشخصيات.
وحول شخصية الطفل الذي صار بيدقا بيد جهات "خفية" تتحكم في مصير تونس وشعبها تحوم كل الحكايات التي حاولت من خلالها بن حسين أن تتطرق إلى مواضيع كثيرة من بينها العنف المسلط على الأطفال والوصم الاجتماعي وغياب الأساليب البيداغوجية في التعامل مع انحرافات الأطفال.
وإلى جانب المواضيع الاجتماعية التي لم تغفل الفقر والتهميش والعنف في أكثر من شكل، تطرق الفيلم إلى الوضع السياسي وإلى غرف صناعة الحكام وما تخفيه من مؤامرات ودسائس وما تؤويه من دم ودموع.
والفيلم من بطولة مهذب الرميلي وتقلا شمعون ووجيهة الجندوبي ومعز القديري ورابعة السافي ويونس الفارحي ويوسف الڤبلاوي ومحمد الداهش و رياض حمدي، وهو كاستينغ جيد مع بعض التفاوت في أداء الممثلين أمام الكاميرا، وهو أمر يرجع إلى إدارة الممثل.
الصورة وتصحيح الألوان والموسيقى التصويرية في الفيلم من بين العناصر التي قد تغطي على ضعف السيناريو وعلى التقطيع الفني والمونتاج الذي يجعل من بعض المشاهدة مكررة وإن رجع الأمر إلى رؤية فنية بعينها.
ورغم بعض الملاحظات التقنية والفنية في الفيلم إلا أنها لا تنفي أهمية أن تغوص السينما في ذاكرة الأوطان وتستحضر جراحها القديمة منها والجديدة بطرح يدعو إلى التفكر في الواقع وفي أهمية بناء أفراد متزنين لبناء مجتمع متزن.