"أمل"، فيلم قصير للمخرجة التونسية آمال كراي، يتماهى فيه الفني والإنساني، والوثائقي والروائي، والموضوعي والذاتي، وتتبدى فيه بعض من هواجس المرأة والفنانة والإنسانة.
على امتداد اثنتي عشرة دقيقة، تحملك كاميرا المخرجة الى عوالم مؤنثة، تغوص بك في دواخل امرأة اختارت ان تكون فنانة متحدية كل الأحكام المسبقة والنظارات الدونية.
بين الفن والإنسانية تتأرجح على نسق تحرك الكاميرا في فضاء مغلقة، باستثناء المشهد الاخير الذي يقطع مع الأسقف والشيطان وتتجلى فيه ملامح السماء وهي ترسل خيوط أمل.
من علم الاجتماع الى السينما، تمد آمال كراي جسرا اختارت ان تراوح في لبناته بين الروائي والوثائقي، فكانت قصة "سميرة" وابنتها "أمل" في البدء متخيلة قبل أن تتفرع الى حكايات أخرى رسمت وجها آخر للأمومة، وجها رسمت الهجرة بعض ملامحه.
ماإن تقع عيناك على عنوان الفيلم حتى تتواتر الأسئلة في ذهنك عن المغزى من استعمال مفردة " أمل" غير معرفة، وسرعان ما تأتيك إحدى الاجابات وهي أنه اسم لإحدى الشخصيات.
ومع تواتر السرد في الفيلم، تتبدى لك إجابة أخرى ، فأن تورد المخرجة الكلمة غير معرفة ليس اعتباطيا والامر لا يتعلق فقط باسم علم ألفنا سماعه، فكاننا بالمخرجة تقول إن الأمل ليس واحدا، وأن تعرف الأمل يعني بالأساس أن ترجع الى خلفيات وتمثلاتك له.
"بي أمل يأتي ويذهب ولكني لن أودعه"، تستحضر في الأثناء هذه الكلمات للشاعر محمود درويش وانت تقتفي أثر أمل تنسجه الأمهات لأبنائهن في بلد سكن اليأس زواياه وأركانه.
وعلى نسق حكاية"أمل" طالبة الدكتوراه التي تعيش مع أمها "سميرة" التي تعمل بمكتبة عمومية وتمارس السينما هواية، ترسم معالم أخرى للامومة والبنوة على ضوء الهجرة التي فرضتها أسباب كثيرة.
من بحث تعده "أمل" بخصوص هجرة الأدمغة، وتساعدها أمها في تصوير المقابلات مع أمهات مهاجرين ومهاجرات، الى واقع مماثل تعيشه الام وابنتها.
فبعد مناقشتها أطروحة الدكتوراه، تحصلت الابنة على منحة تدريس بباريس لتجدد الأم نفسها في وضعية أمهات صورت شهادتهن في وقت سابق.
وإن كانت الممثلتان آمال كراي وفاطمة عبادة تؤديان دوري "سميرة"و "أمل"، فإن بقية التدخلات في الفيلم عرضن شهادات حقيقية عن هجرة أبنائهن وبناتهن.
عواطف حروصي وليلى المبروك وسلمى بن يحي ولطيفة بن علي وأميرة عزيم وفاطمة قصار، أمهات عايشن تجارب هجرة أبنائهن، تجارب مختلفة ولكل منهن خلفياتها وأسبابها ولكنها تلتقي جميعا عند تمزق الأم بين وجع الفراق ومصلحة الابن أو الابنة.
وفي السيناريو، الذي راوحت فيه كاتبته آمال كراي بين الواقعي والمتخيل، المتخيل الذي يتجلى في علاقة الأمومة والبنوة بيت "سميرة" و"أمل"، والواقعي في شهادات الأمهات اللاتي خبرن معنى أن يعيش أبناؤهن وبناتهن في بلدان أخرى وما ينطوي عليه من مشاعر متناقضة تنتهي في النهاية الى التعايش مع الوضع.
وفيما يخص الجانب الروائي من الفيلم، فقد كان أداء آمال كراي وفاطمة عبادة يتسم بالعفوية والصدق الى درجة الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بتوثيق يومي لأم وابنتها.
أما عن الأسلوب الإخراجي، فقد لاحقت كاميرا آمال كراي التفاصيل بكل ما أوتيت من بساطة واعتمدت كثيرا على توثيق لغة العيون والجسد لعرض مسألة الهجرة وعلاقة الام بأبنائها من منظور آخر ملؤه العاطفة وات كانت بعض الشهادات لا تخلو من عقلانية ومن تدبير مسبق لعملية الهجرة.
كاتبة ومخرجة وممثلة، تبدو آمال كراي التي استندت إلى اختصاصها في علم الاجتماع مقنعة وماضية على درب تجمع فيه بين حبها للسينما ولعلم الاجتماع وتصنع فيه أفلاما تشبه صدقها وإيمانها بالفن.