رياليتي أون لاين-جدة
حضور المخرج "سبايك لي" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي لم يخل من الحكايات والقصص الملهمة التي تدفع إلى الحفر في تفاصيلها.
من بين هذه القصص، قصة تصوير مشاهد رئيسية من فيلم "مالكوم إكس" في مكة منذ أكثر من ثلاثين عاما في وقت كانت فيه فكرة دخول كاميرا إلى الحرم مستحيلة.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود يعرض الفيلم غي السعودية بحضور مخرجه "سبايك لي" بعد حظر جاوز نصف القرن وانتهى عام سبعة عشر وألفين لتنطلق مرحلة جديدة في المملكة.
وكان هذا العمل السينمائي الأول الذي دخلت به الكاميرا مكة المكرمة أثناء الحج، ولم يكن المستحيل ليتحول إلى ممكن لولا المجهود الذي بذله نبيل مراد العنقاوي الذي كان حينها إطارا في وزارة الإعلام السعودية.
فكرة الحديث مع هذا الرجل المحمل بالحكايات والمثقل بالتاريخ الذي يمكن أن يحكى في أفلام وثائقية نوعية عن المملكة لما فيها من تفاصيل ملهمة لم تكن لتخطر ببالي وكيف السبيل إليه؟
وحدها الصدفة كانت قادرة على جمعي بهذا الرجل، فحينما التقيتُ صديقي الكاتب والصحفي ابراهيم توتونجي في بهو الفندق الذي تقام فيه فعاليات مهرجان البحر السينمائي الدولي نثر عني غبار الحيرة التي كثيرا ما تلازمني وكان رفيقي في الطريق إليه.
على عادته، يبحث توتونجي عن قصص تشبهه وينثر ضحكاته في كل الزوايا والأركان ويقتنص التفاصيل التي لا ينتبه إليها الآخرون حتى أنه اجتمع بابن الشخص الذي خطّ حدثا سينمائيا مهما.
وكان اللقاء مع نبيل مراد العنقاوي الذي بدأ شخصا مرحا واجتماعيا يروي حكايات من تجربته دون تكلف أو تصنع بمثابة السفر عبر الزمن، إلى أكثر من ثلاثين سنة خلت يستحضرها وهو يغمض عينيه أحيانا يستعمل ملامح الذكريات.
حياة الرجل أشبه بكتاب يغويك بالغوص في كل صفحاته بدءا من دراسته الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية ليكون من بين أول دفعة في هذا الاختصاص مرورا بعمله في وزارة الإعلام ومرافقته للوفود الإعلامية التي غطت حرب الخليج وصولا إلى تسهيله دخول معدات تصوير فيلم "مالكوم اكس" إلى الحرم وغيرها.
ولولا نبيل مراد لما اكتسى الفيلم البعد الروحاني الذي تحدث عنه "سبايك لي" في الجلسة الحوارية التي انتظمت ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي عرض أيضا فيلم "مالكوم اكس" في حدث يحمل دلالات كثيرة.
و"سبايك لي" لم ينس الرجل الذي مد له يد العون ليصور فيلمه كما تخيله صادقا من قلب الكعبة لا بمحاكاة الكعبة وسهل له التدابير من خلال إرسال خطابات للديوان الملكي وللملك فهد بن عبد العزيز، وهي وثائق تاريخية يمكن أن تكون أساسا لوثائقي عن هذه التجربة.
ومن المفارقات التي تعطي معاني أخرى للحياة أن أجلس إلى منبع حكايات ليحدثني عن حدث دار سنة ولادتي، بأسلوب ينهمر فيه السرد بهدوء يجعلك تطلب من المزيد والمزيد من التفاصيل التي تنضب في حضرة رجل مازال في جرابه الكثير ليتحدث عنه.