أمواج بحر لا قرار له تتمادى لتفصح عن ألوان تحاكي واقع تونس، درجات كثيرة لا تتبين بعضها لكنها داكنة غامضة تحيل إلى المجهول مقابل شاطئ بلا مرسى، شاطئ ترتطم به الأحلام والآمال.
فيما تتواتر حركة المد والجزر تلوح صور عمر العبيدي شهيد الملاعب لتذكرنا بأن العدالة في تونس لم تتعاف من عللها وأن الحق مازال يتحسس طريقه إلى الواقع، ويظهر شرطي يختفي مع حركة الموج في إشارة إلى أن القمع زائل وأن العدالة آتية بلا شك.
وعلى نسق الأمواج تتعالى موسيقى الغضب في "وجه الخطأ" الأغنية الجديدة لمجموعة زنوس التي تظل وفية لعهدها القائم على الثورة والتمرد والرفض وعلى نقد الواقع بطريقة فنية مارقة عن الأطر.
"وجه خطأ" عمل جديد للمجموعة التي اختارت أن تخلق موسيقاها وكلماتها دون أن تكشف هويتها لجمهورها، عمل مستوحى من مأساة عمر العبيدي التي كتبتها المنظومة البوليسية العميقة وأضاف لها القضاء فصلا آخر عنوانه "القتل على وجه الخطأ".
من التهمة التي وجهها القضاء لقتلة العبيدي استلمت "زنوس" عنوان الأغنية التي كان فيها وجهه عنوانا لانتكاسة الأمل في قضاء عادل، وجهه الذي لازم فيديو الأغنية لتحضير معه سيناريوهات رحيله عن هذا العالم وهو يستنجد بأمني صرخ فيه "تعلم عوم".
في بداية الأغنية تلوح صورة العبيدي قبل أن تظهر من خلفها الجماهير في الملعب، بصورة للمصور الصحفي حسن مراد، في إشارة إلى استمرار المعركة من أجل حكم عادل في القضية التي تردد صداها في الملاعب.
في عيني عمر العبيدي تسكن حيرة العالم وسط رحلة بحث مضنية عن أجوبة لأسئلة لاتنتهي، أسئلة عن العدل والعدالة، وعن تفسيرات لا تأتي لمشهدية غامضة فيما تتكثف الموسيقى الموسيقى لتدعوك إلى الثورة والغضب على واقع تُستباح فيه الإنسانية في اكثر من تجلّ.
بألحان مارقة عن التصنيف وكلمات موشحة بالثورة والتمرّد، خاطبت "زنوس " جمهورها كافرة بكل الأطر وهادمة بموسيقاها قوالب السكّر التي تنشؤها السلطة والمجتمع، "زنوس التي تقدم نفسها على أنها " فريق موسيقي ﭘانك روك تونسي مقيم في ضميرما تبقّى من وعي هذا الشعب المنكوب".
حليمة وحمّة وجابر، ثلاثي خلق عالمه الموسيقي الذي يشبهه وصارت الموسيقى والكلمات هوياته التي يتخفّى وراءها ليسلم شر البوليس والمأدلجين وحراس الأخلاق والناطقين باسم الرب.
ومن ثنايا صوت "حمة" ونغمات غيتارته الثائرة، تتجلى مأساة عمر العبيدي ومعها أيضا مأساة كل من اختار طريق الموت ليفربول من وطن قد يموت فيه على وجه الخطأ.
ومن نغمات الباص إذ تبث فيها "حليمة" الشكوى والسخط، يتسارع نسق المقاومة والصمود وكأنها تريد أن تمحي رائحة الموت المتصاعدة مع ثورة الموج.
ومن إيقاعات الباطري والجلود والقراقب إذ لامستها أصابع "جابر" تتبدى أنفاس أم عمر العبيدي وهي تطلب عدالة السماء بعد أن خيبت عدالة الأرض رجاءها، وانفاس كل أم فقدت ولدها في "حرقة"، وانفاس كل مواطن ضاق به الوطن.
كلمات بسيطة واقعية وصادقة حدّ البكاء، وصوت قادم من العمق يجعل الوجع شفافا جدا وعاريا ويحرر صرخات الحزن حتى تخال أنه سيتخطّى كل السماوات ويحمل صرخة الظلم بعيدا عن حكام جعلوا الكل حيا على قيد الموت.
"شاحت العروق وشاح الضوء في آخر نفق/
بحت الحلوق اللي حاحت حتى لآخر رمق/الظلم تخطى حدود الغبنة حدود الغضب /فاحت ريحة الموت احنا النار احنا الحطب /نعيشو ونموتو غرباء نحنا تراب الوطن/ نعيشو ونموتو غرباء نحن وجه الخطأ "، بعض من الكلمات التي تصدح بها حنجرة حمة.
وعلى نسق الموسيقى تسترسل الكلمات "فاضت القلوب كساحت بعد رياح الألم/ما بقى من أرضي وناسي كان كفني والعلم/شعوب الله تشبح في عدوها وتقاوم بالصح/ كان احنا الموت نشوفوها نحارب في الشبح ".
وحينما تسكت الكلمات تصدح موسيقى الغضب وتتجلى صورة عمر العبيدي لتختزل جور القضاء، وتنتهي الاغنية ولا ينقطع صدى كلماتها الأخيرة في داخلك وصوت حمة يردد "نعيشو ونموتو غرباء تحت تراب الوطن/ نعيشو ونموتو غرباء على وجه الخطأ"