على خطى أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية، كسر مهرجان الأغنية التونسية رتابة الزنازين في سجن النساء بمنوبة ومركز إصلاح القاصرين الجانحين بالمغيرة.
هي المرة الأولى منذ انبعاثه عام 1987 التي تخصص فيها هيئة المهرجان نشاطا موجها للمودعين في السجون الذين تسلط عليهم عقوبات فقدوا بموجبها حريتهم ولكنهم لم يفقدوا حقهم في الثقافة والفن.
والحرية داخل السجن حمالة للمفارقات إذ أن البعض فقدها في مفهومها المادي ولكنها مازالت تسكن جوارحه وخياله ومازال يغمض عينيه ليقتفي أثرها في بقايا كلمات أغنيات أو حروف عالقة في ورقات مهملة.
والأنشطة الثقافية والفنية داخل السجون ومراكز الإصلاح فسحة للمودعين والمودعات فيها ومتنفسا كسروا به رتابة السجن، إذ تقع فيها اعينهم على وجوه جديدة يبادلونها النظرات والابتسامات ويجتمعون معهم في ذات المكان وفي ذات الزمان خارج الزنازين.
وفي السجن المدني للنساء بمنوبة ومركز إصلاح القاصرين الجانحين بالمغيرة تتخذ الحرّية وجوها كثيرا، يتجلى بعضها في صور ولوحات يخطّ بها النزلاء والنزيلات رحلتهم خارج الأسوار، وفي التمارين في نادي الموسيقى وفي المشاركة في حفل يحرّرهم من الجدران التي تكتم على أنفاسهم.
هذه البادرة التي تأتي بالشراكة بين مهرجان الأغنية التونسية والهيئة العامة للسجون والإصلاح، محت أثر السجن طيلة ساعة ونصف في سجن النساء بمنوبة حيث تعالت الإيقاعات التونسية والشرقية يرافقها صوت الفنانة مريم نور الدين.
يوم أمس الخميس لم يكن كغيره من الأيام، كان مفعما بالفن والحياة والأمل على إيقاع أغان تونسية وأخرى شرقية مثلت ملاذا للسجينات اللائي استسلمن للرقص على نسق انعتاق أرواحهن.
وفي مركز إصلاح القاصرين الجانحين بالمغيرة، عانقت فتيات قاصرات الحرية على إيقاع صوت الفنان سفيان سفطة وموسيقاه الموشحة بالأمل والشغف وتحررن من أسوار السجن.
فسحة من الحرية رسم سفطة ملامحها على إيقاع الطبوع التونسية، وإن كانت ظرفية فإنها كانت ميناء سلام وملجأ لفتيات في عمر الزهور فقدن حريتهن لأسباب لا يتحملن مسؤوليتها وحدهن.