في عام 1981، أصبحت موريتانيا آخر دولة في العالم تلغي العبودية، ورغم مرور أزيد من 4 عقود على هذه الخطوة التي تلتها قرارات وقوانين لتجريم الرق، يكشف تقرير حديث أن ممارسات وأشكال الاستعباد المختلفة مازالت شائعة في هذا البلد الصحراوي.
وحلت موريتانيا في المرتبة الثالثة عالميا والأولى عربيا في تقرير "مؤشر الرق العالمي" الصادر الأربعاء، والذي كشف عن وجود 149 ألف موريتاني يعاني من "عبودية حديثة"، أي ما يمثل 32 شخصا من بين كل ألف مواطن.
وتشمل مظاهر "العبودية الحديثة" بحسب تقرير منظمة "ووك فري" الدولية، "العمل القسري، والزواج القسري أو الاستعبادي، وعبودية الدين، والاستغلال الجنسي التجاري القسري، والاتجار بالبشر والممارسات الشبيهة بالرق، وبيع واستغلال الأطفال".
وأخرجت موريتانيا قبل ثماني سنوات قانونا ينص على تجريم الرق واعتباره "جريمة ضد الإنسانية" وأفردت له عقوبات تصل إلى 20 عاما، كما أنشأت محاكم خاصة لمعالجة قضاياه، إلا أن الظاهرة، ورغم كل هذه المحاولات، تبقى مستمرة بأشكالها التقليدية والمعاصرة، بحسب تقارير المنظمات الدولية المختصة وتصريحات حقوقيين موريتانيين لموقع "الحرة".
وأفاد التقرير الجديد أن العبودية في موريتانيا تقوم أساسا على أُسس عرقية؛ حيث يُجبر السكان "الحراطين على العمل في مجتمع "البيضان" في الزراعة والعمل المنزلي وغيرهما".
ويؤكد تقرير لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان المعطيات التي أوردتها منظمة "ووك فري"، مبرزا أن أشكال العبودية الحديثة ونظيرتها القائمة على النسب، لا تزال منتشرة داخل وبين جميع المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد، حيث يتعرض المستعبدون، ولا سيما النساء والأطفال، للعنف وسوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي، كما يعاملون كـ"ممتلكات".
"ممارسات شائعة"
إبراهيم بلال رمضان، رئيس "هيئة الساحل" للدفاع عن حقوق الإنسان، يقول إن العبودية "ما تزال ممارسة منتشرة في موريتانيا"، موضحا أنه رغم أنها اليوم أقل بكثير مما كانت عليه قبل عشر سنوات، إلا أن "حالات الإفلات من العقاب ما تزال مستمرة، رغم الترسانة القانونية التي وضعتها البلاد".
ويضيف رمضان لموقع "الحرة"، أن معظم "مرتكبي هذه الممارسات ينتمون إلى القبائل النافذة التي ينتمي إليها قضاة المحاكم أيضا، بالتالي يتم الإفلات من العقاب، ما جعل الملفات تتراكم على المحاكم دون أن تصدر بشأنها قرارات".
ويستدل رئيس الهيئة الحقوقية التي تترافع من أجل إنهاء الرق في موريتانيا بـ"عدم وجود سجين واحد متابع بجريمة الاستعباد بالرغم من كثرة الملفات وتنوعها ووضوحها"، لإبراز انتشار حالات "الإفلات من العقاب".
وفيما أشاد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال الرق المعاصر، تومويا أوبوكاتا، خلال زيارة إلى موريتانيا، العام الماضي، بالتقدم المحرز في تعزيز الإطار القانوني لمكافحة العبودية، حذر من أن هناك حاجة لمزيد من العمل.
ودعا أوبوكاتا السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتسريع تنفيذ تشريعات مكافحة الرق في موريتانيا ومعالجة العقبات العملية والقانونية والاجتماعية التي يواجهها الأشخاص المتضررون من العبودية في السعي لتحقيق العدالة وتحقيق المساواة.
وفي سياق متصل، يثمن الحقوقي الموريتاني ذاته جهود الدولة في المجال، خاصة بعد اعتراف الرئيس الحالي بانتشار ظاهرة الاستعباد في البلد على عكس سابقيه، مضيفا أن "الدولة أحدثت مؤخرا مؤسسة وطنية لمحاربة الاتجار بالبشر، ومعها صندوق دعم لضحايا الاستعباد، بدأ عمله يؤتي ثماره".
"أشكال جديدة"
وتمثل العبودية الطبقية أيضا "مشكلة" بهذا البلد المغاربي، حيث يواجه الأشخاص من الطبقات المقموعة الذين يرفضون تصنيفهم كعبيد "أعمالا انتقامية عنيفة وحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية، من جانب الطبقات المهيمنة"، بحسب التقرير.
مكفولة إبراهيم، الناشطة الحقوقية، تبرز أن القول باستمرار العبودية بشكلها القديم "غير دقيق" حيث أن انتشارها أصبح محدودا جدا في بعض المناطق النائية وبين بعض الجماعات الإثنية.
غير أنها تشير في حديثها لموقع "الحرة" إلى بروز أشكال جديدة للظاهرة، ومن نماذجها: "أن سليل العبد القديم يصبح بدوره جديدا بسبب النظرة الدونية التي تؤثر على وضعه الاجتماعي والاقتصادي، كما أنه لا يحظى بنفس فرص الآخرين..".
في هذا الجانب، تضيف مكفولة إبراهيم، أن "عدم تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعبيد القدامى يجعلهم وأبناؤهم "عبيدا جدد للغذاء اليومي"، ما سيواجهون معه ممارسات إقصائية واستغلالية.
وتوضح الناشطة الحقوقية أن الحكومات المتعاقبة أخرجت مراسيم وقرارات لكن لم تصحبها بآليات فعلية وحاسمة للمحاسبة، مشيرة إلى أنه "ما دامت الدولة لم تعمل على تحسين التعليم وتغيير العقليات واجتثات الأفكار العنصرية المنتشرة، ستسمتر السلوكيات نفسها، في ظل ارتباط موضوع الاستعباد بالشقين الديني والثقافي".
المصدر: الحرة