"العطر لغةٌ لها مفرداتُها، وحروفُها، وأبجديتُها، ككل اللغات والعطور، أصنافٌ وأمزجة..منها ما هو تمْتَمَةْ.. ومنها ما هو صلاة .." كلمات للشاعر نزار قباني تحاكي ملامح العطور التي خلقها الموسيقي محمد علي كمون وشكل ملامحها من الذاكرة الشفوية الغناء التونسي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
هذه العطور تسربت بين ثنايا أركاح كثيرة في جهات مختلفة من تونس وتجاوزتها إلى خارجها حتى صارت مألوفة لدى الجمهور تغازل فيه الحنين إلى الشجن حينا وإلى الفرح حينا آخر وهي تنهل من موسيقات مختلفة تعكس ثراء الموروث الموسيقي في تونس.
رائحة الإكليل والزعتر حينما تنساب على إيقاع النسمة الكافية، وقلادات السخاب في رقاب النسوة في الجنوب ترسل شذاها ورائحة الياسمين وأزهار الليمون والبرتقال، تفاصيل صارت ألحانا تدغدغ الذاكرة.
وفي افتتاح مهرجان الإذاعة والتلفزيون تخطت عطور محمد علي كمون حدود الوطن لتعانق المشرق والمغرب والخليج وجنوب الصحراء في تصور فني خاص بمهرجان الإذاعة والتلفزيون.
وإن انطوت فكرة التصور على اجتهاد وبحث لتوسيع رقعة العطور الجغرافية وسط تقاطعات فنية وثقافية في المنطقة العربية إلا أنه بالإمكان أحسن مما كان على مستوى تنفيذ الفكرة.
ورغم التجديد على مستوى الإخراج والكوريغرافيا وفي حضور فنانين من خارج تونس عزفا وغناء إلا أن هذا التجديد لم يشمل توزيع بعض اللوحات الموسيقية التي بدت مستنسخة من عروض سابقة.
وبعيدا عن الجوانب التي كان من الممكن العمل عليها أكثر ولكن يبدو أن للوقت سلطانه، تناثرت العطور العربية لتعانق الجبال وتلامس رمال الصحراء وتسري بين الأمواج متخذة في كل مرّة تلوينة موسيقية.
وعلى نسق الذاكرة الموسيقية التونسية والحكايات المعتقة تشكلت ملامح عرض موسيقي صدحت فيه أصوات عربية وعانقت فيه أقدام راقصي الدبكة الركح وهي تحاكي النغمات التونسية العتيقة بلمسة عصرية.
نغمات أوجدها التناغم بين عزف مجموعتين موسيقيتين، الأولى الأركستر السمفوني بقيادة محمد بوسلامة، والثانية يقودها عرّاب العرض محمد علي كمون لتتشكل خمس لوحات موسيقية.
خمسة فصول موسيقية حاول من خلالها محمد علي كمون أن يجمع أنماطا موسيقية عربية على الركح في عرض فرجوي تغيرت ملامح الإخراج فيه عبر لوحات كوريغرافية تناغمت مع الرسوم في الشاشة على إيقاع توزيع لم يتضمن "عطورا" مغايرة.
"العطور البدوية" و"عطور الحضرة النسائية" و"العطور المغاربية الأندلسية" والعطور الساحلية" و"عطور جنوب الصحراء"، خمس لوحات قدمها فنانون من تونس وآخرون حلوا ضيوفا عليها.
وفيما يخص العطور البدوية فإنها تتمثل في أغانيَ ذات أصول بدوية جبلية وأخرى صحراوية، وأما العطور الجبلية فقدمتها منجية الصفاقسي ومهدي الميموني وعازف الطبل محمد الصالح العيساوي، وأما الصحراوية فصدح فيها صوت ابن الجنوب معتصم الأمير الذي كان من المفترض أن يرافقه الفنان اليمني أسامة محبوب لكن تعذر عليه الحضور بسبب شكالية تتعلق بالتأشيرة.
وفي العطور النسائية تحضر الرقصات شرقية وتتربى من بين ثنايا الموسيقى إيقاعات الدبكة على نسق صوت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة، والفنانة التونسية مريم الكناني مع كوريغرافيا لمجموعة فلسطينية بقيادة الفنان سامر عياد.
وأما العطور الأندلسية فقدمها كل من الفنان الجزائري عباس ريغي والتونسي سفيان الزايدي وتزينت بكوريغرافيا للراقصة التونسية أميمة المناعي في رقصة تجلى فيها الوشاح القسنطيني فيما قدمت فرقة كيرانيس من قرقنة بقيادة الفنان فتحي غرس الله العطور الساحلية بمرافقة فرقة الجبل الغربي بإدارة الباحث في التراث الليبي أحمد دعوب من طرابلس.
وبالنسبة لعطور جنوب الصحراء فتنصهر فيها إيقاعات السطمبالي التونسي بإيقاعات أخرى من جنوب الصحراء قدمها منشد القيروان حسن سعدة رفقة كافة الفنانين الضيوف في العرض.