في الطريق إلى الفحص حيث تقاوم آثار "توبربو ماجوس" تراكم السنين، تروي الحنايا حكايات مدادها من حياة وتتناثر الأراضي الخضراء وكأنها قطع من الجنة وتسربت من تفاصيلها نسمات تراود خصلات الشعر والوجنات.
وعلى مشارف الموقع الأثري أطبقت الشمس جفونها ومالت نحو مخدعها، فيما ارتطمت خصلاتها الموشحة بخجل الغيوم على الآثار المترامية كشعر غجرية ترقص على إيقاع الفلامنكو.
في الأثناء تزينت خدود الكون بحالة وردية معلنة ميلاد لحظة جديدة تنتهي فيها سطوة الزمان والمكان ويسترسل فيها الحلم على إيقاع الموسيقى والرقص وضحكات الصغار وهمسات الكبار وتأهب وحدات الأمن والحماية المدنية.
كل تفاصيل المكان مطرزة بالتاريخ وحكايا العابرين، من ثناياها يضوع عبق الماضي حتى أن المتأمل في الحجارة يخال أن عقارب الزمن تحركت بسرعة جنونية إلى الوراء حيث صار جزءا من تاريخ "توبربو ماجوس".
مزيج بين إيقاع الحنين ورقصات السحاب يجعلك تغرق في الخيال وعلى نسق الهدوء الصاخب ينتفي الزمان والمكان من حولك وتتخذ كل الأشياء أبعادا ومعاني أخرى.
المدينة الأثرية تأسرك بجماليتها الصارخة ويغويك سحرها بسبر أسرارها على إيقاع الموسيقات المختلفة المنبعثة من الركح المتربع في قلبها وعلى نسق خطوات الراقصين لتبعث فيها الكوريغرافيا حياة أخرى.
هي المرة الأولى التي تغادر فيها عروض أيام قرطاج الكوريغرافية العاصمة تونس إلى الجهات تجسيدا لشعار القطع مع المركزية الثقافية وتثمينا للموقع الأثري الأخّاذ بمعالمها المحاطة بقطع من الجنة.
واللافت في هذا العرض الجمهور الذي ضم فئات عمرية مختلفة امتدت من الأطفال إلى الشيوخ وخلفيات متنوعة راوحت بين المتداخلين في الشأن الفني والثقافي ومن قدموا للاكتشاف.
الأطفال والشباب والشيب تأملوا تفاصيل العرضين الكوريغرافيين اللذين تحليا بحالة جديدة أضفاها ألق التاريخ في المكان، والعرضان هما قصص على قارعة الطريق (سايدولك ستوريز) لإ كومباني من الولايات المتحدة الأمريكية وأريستيد وباستيان لحفيز ضو من تونس.
البداية كانت مع عرض أريستيد وباستيان لحفيز ضو إذ تعالت موسيقى الهيبهوب في المكان خالقة مفارقة سحرية سايرتها حركات الراقصين على الركح، راقصان يتحديان الجاذبية والتوازن وتعانق خطواتهما الأثير.
جسدان معمدان بالشعر والشاعرية يتشابكان ويتماهيان ليخلقا في كل مرة حركة مختلفة تحاكي البعث، كوريغرافيا هجينة نابضة بالحياة محملة بالنشوة والشجن والأمل.
وإثر الرقصة الثنائية التي اشرأبت لها الأعين صدح صوت حمدي مجدوب متمنيا بزخم الشارع، القطط والفتيات والسكارى وكل الاختلاف الذي يوشح التفاصيل قبل أن تعلن الموسيقى ميلاد كوريغرافيا تحتفي بالفوضى..
فوضى الشارع الخلاقة تجلت على الركح في ثنايا الكوريغرافيا التي اعتمدت على راقصين من تونس ومن الولايات المتحدة الأمريكية والتي تبدت فيها خطوات متعددة على نسق تلوينات موسيقية مختلفة.
وبعيدا عن الجوانب التقنية والاستيتيقية للعرض الكوريغرافيين يبقى المشهد الأبرز في هذا الحدث الأول من نوعه في المهرجان الذي يحتفي بالرقص منذ خمس سنوات حديث الجمهور عن العودة لحضور العرض الكوريغرافي الذي ينتظم اليوم في الموقع الأثري.