بزي ذهبي متلألئ اعتلت الركح وولّت وجهها شطر البيانو، سارت واثقة الخطى إلى رفيقها وانغمست معه في حوار ثنائي تصاعدت إثره النغمات لتعانق السماء والبحر المحاذي للركح..
حالة من التماهي بينها وبين البيانو تظهر لكل من تابع حركات أناملها إذ تداعب المفاتيح لـتضيء الركح بحضورها الصارخ، هي “شمس” إحدى ضيوف الفنان محمد الجبالي في عرضه “آش السر” ضمن مهرجان الحمامات الدولي.
وعلى الركح كان لـ”شمس” نصيب من اسمها إذ أشرقت وهي تعزف وتعترف بفضل أمها في ما بلغته وتشكرها بنبرة وشحها التأثر، شمس التي تضيء من حولها وترى هذا الضياء بقلبها فهي من فاقدي البصر.
“شمس” تلاحق الفن بحسها وبصيرتها وتلفت انتباه كل من يراها إلى موهبتها وهي عاشقة للمسرح تجول على خشبته في دروس التمثيل ولها صوت يأسر من يسمعها حينما تغني.
في يوم مولدها اعتلت الركح واحتفى بها الجمهور ومحمد الجبالي واحتفت هي بأمها التي شدت على يدها وهي تتشبث بالفن ملاذا وميناء سلام وكانت لحظة اعتلاء أمها الركح وعناقهما مؤثرة ومشحونة بالمشاعر.
وإلى جانب “شمس” منح فرصة اعتلاء ااركح لابنه أحمد الجبالي الذي عزف على الغبتار مع الفرقة الموسيقية بقيادة كمال العباسي ولأربعة أصوات واعدة هن رحمة بوصوفة وصفاء الكوكي وسلمى بجاوي وإيناس عاشور اللاتي أدين “هيا ولد بلادي” للفنانة سلاف و”غنيلي شوي شوي”.
في ثالث سهرات مهرجان الحمامات الدولي قدم الفنان محمد الجبالي للجمهور “آش السر” وهو عرض طربي متنوع يوثق لبعض من مسيرة فنان تونسي يجمع بين التلحين والغناء والكتابة.
محمد الجبالي الذي صنع لنفسه نهجا فنيا خاصا به جعله من بين أهم فناني جيله بقي وفيا للموسيقى التونسية والعربية الأصيلة التي ظهرت في عرضه بأغان كتب أغلبها ولحنها وفي استعادة لأغنية “جبار” لعبد الحليم حافظ وعلى الله تعود” لوديع الصافي.
أكثر من خمس وثلاثين سنة من مسيرة فنان لفت إليه الأنظار بصوته المميز وإحساسه الفياض، الأمر الذي مكنه من اعتلاء الأركاح العريقة في سن مبكرة ومراكمة تجارب مهمة وقيمة.
وفي بداية العرض عبر محمد الجبالي عن شوقه للجمهور وفرحه بلقائه، فرح متبادل يظهر في التفاعل بينهما وفي مشاركة ترديد كلمات أغانيه التي وجدت طريقها إلى الذاكرة كلمة ولحنا وأداء.
على الركح صدحت حنجرة محمد الجبالي بأغان احتفى فيها بالنغمة التونسية وجمع فيها بين سحر الكلمة وروعة اللحن وجمال الأداء، “نظرة عينيك، “اش السر “، “انت الكل”، “يزيني”، “قنديل باب منارة” غناها الجبالي بمرافقة مجموعة موسيقية بقيادة كمال العباسي.
“انت أشكم” و “شوف لداك الزين” أغنيتان من مدونة الجبالي، الأولى تمزج بين العامية التونسية والتركية والثانية موشحة بتلوينات جزائرية تفاعل معهما الجمهور الحاضر في مدارج المسرح.
“يا حنين”، “عامل فيها صاحبي”، “ما يهمش”، “يزي من العزوبية” ، “قمر”، “خليني بجنبك” ويا عالم طالب جواب التي حي بها القدس، بعض الأغاني التي وسمت مسيرة محمد الجبالي وردد الجمهور كلماتها.
ولم يخل العرض من الإنتاج الجديد إذ غنى الجبالي “ما أحلى جوك” وهي أغنية فيها مسحة من الفرح والإيقاع الباعث على الرقص كما تخللته أيضا مقتطفات من الكوميديا الموسيقية “ع الصول” ووصلة تقليد للفنانين علي الرياحي وفريد وجورج وسوف بطلب من الجمهور.
*صورة خالد الصغير