فلسفة مدادها النظر إلى المستقبل بنفس أصيل متجدّد تجلت على ركح مهرجان الحمامات الدولي في العرض المشترك بين الفنانين التونسيين عماد العليبي وخليل الهنتاتي بمشروع “فريقيا”، و”أسيد أراب” بمشاركة الفنان الجزائري سفيان السعيدي.
وفي كلا العرضين تبدت ذبذبات شمال إفريقيا مع اختلاف الأسلوب وتفجرت ينابيع جديدة في الموسيقى المغاربية التي صارت حاضنة لموسيقات أخرى تتماهى معها لكنها لا تحجب فرادتها ولا تطمس خصوصيتها..
عماد العليبي وخليل الهنتاتي.. وجه آخر للموروث الموسيقي التونسي
“يا لطيف يا لطيف” تصاعدت كلمتها على الركح في ريميكس أوجده الثنائي عماد العليبي وخليل الهنتاتي (Khalil epi) خصيصا لعرضهما في مهرجان الحمامات الدولي قبل أن ينغمسا في ثنايا مشروع “فريقيا” الذي يرسم وجها آخر للموروث الموسيقي التونسي.
معزوفات تمزج بين إيقاعات متعددة تحملها الموسيقى الالكترونية إلى مساحات أخرى صدحت في أرجاء المسرح لتعكس رحلة من البحث والإبداع قام فيها الثنائي بجرد المدونة التقليدية من مزود وبدوي وتوثيقها في عمل فني مختلف.
في معزوفات من مشروع ” فريقيا” خلق عازف الإيقاع عماد العليبي والعازف المختص في مجال الموسيقى الالكترونية خليل الهنتاتي موسيقى تنبع من الخصوصية التونسية وتنفتح على إيقاعات أخرى.
ومن بين الموسيقى تسللت أصوات تصدح بأغان راسخة في الذاكرة الشعبية على غرار “الناقوز تكلم” وغيرها من الأغاني التي تبدت في تفاصيل العرض الذي يطرح مقاربة معاصرة للموسيقى التقليدية تحضر فيها الموسيقية الالكترونية مع الايقاعات الشمال افريقية.
وعلى إيقاع الموسيقى التي تعكس ثراء الموروث الموسيقي التونسي ومرونة الإيقاعات التقليدية بما يتيح مزجها مع إيقاعات أخرى، رقص الجمهور وملأ مدارج المسرح تصفيقا قبل أن ينهي الثنائي عماد العليبي العرض بمقطوعة موسيقية يعزفانها لأول مرة على الركح.
وفيما العالم في الخارج برزح تحت عبء هالة من السوداوية تحول ركح مهرجان الحمامات إلى فضاء كوني تلاشت فيه الحدود بين الأنماط الموسيقية ليتجمع الاختلاف في مقطوعات موسيقية عنوانها الجنون والتفرّد، لتنصهر الموسيقى الالكترونية التي خلقها خليل الهنتاتي مع الإيقاعات التي بعث فيها عماد العليبي الحياة.
تلوينات موسيقية مختلفة تنهل من روح الموسيقى التونسية وتروي حكاياتها الأولى التي يستمد منها مشروع “فريقيا” تسميته ليحيل الى تونس التنوع والانفتاح على الآخر، تونس الإفريقية الأمس واليوم وغدا.
بين الدربوكة والدرامز تنقلت أنامل الفنان عماد العليبي وعاضدته الموسيقى الالكترونية التي رسم ملامحها خليل الهنتاتي وهو يملأ الركح طاقة وحماسة ويطوع تقاسيم وجهه وجسده لينقل سحر الموسيقى المسكرة.
وبنفس الأجواء الموشحة بالانتشاء والنيرفانا قدمت المجموعة الجزائرية الفرنسية أسيد آراب عرضها بمشاركة الفنان الجزائري سفيان السعيدي وسط هتافات الجمهور ورقصهم على ألحان لا تخضع لتصنيف وكلمات معمّدة بالرسائل.
أسيد أراب وسفيان السعيدي.. عالم الالكترو بتأثيرات إفريقية وعربية
على إيقاع موسيقى “أسيد أراب” التي تتماهى فيها التأثيرات الموسيقية المتوسطية المتعددة والأصوات العربية والشرق الأوسطية المنجلي عالم الالكترو مع إيقاعات الهاوس والتكنو تراقصت أجساد الجمهور وصدحت أغاني المجموعة التي تنهل من الواقع الاجتماعي والسياسي الراهن.
نغمات تنتمي إلى أنماط موسيقية متنافرة تظافرت على الركح لتكوّن مقطوعات موسيقية تجوب بك العالم وسط مزيج من الجموح والتمرد والجنون والشغف والبحث النابع من الرغبة إلى التحليق خارج الحدود والضوابط.
ومع المجموعة الموسيقية التي تجيد مغازلة الجمهور وإغواءه بالرقص حضر الفنان سفيان السعيدي الذي حمل الراي إلى مساحات أخرى وصدح بصوته المطرز بالبحّة في أغنية ” ليلى” وأغنية ” الحفلة” لتنساب الموسيقى والكلمات حرّة وديناميكية تنشد النشوة القصوى.
صوت سفيان السعيدي يراود صدى النغمات وتنساب الكلمات من حنجرته جزائرية الهوية كونية الهوى لينجح في المزج بين كل الأشكال الموسيقية الجديدة ويطوّع صوته ليتماشى مع الالكترو والهاوس والتكنو وغيرها من الموسيقات.
شغف أسيد أراب الفني تعانق مع صوت سفيان السعيدي النابض بالـ”راي” الجزائري والحامل لنفحات الموسيقى العربية من الجزائر إلى أوروبا ليوجد لنفسه تركيبة فنية نهلت من أوساط باريس الصاخبة ووهران العابقة بالاختلاف.
سفيان السعيدي ومجموعة أسيد آراب خاضوا على ركح مهرجان الحمامات الدولي مغامرة التجوّل في متاهات الموسيقى العربية، ونحتوا خطّا موسيقيا ترفرف حوله روح الجزائر ويمتزج فيه العمق والجمال.
“يا مااحلى”، و”حبيتك” و”سطايفية” و”أسيد شاوي” وغيرها من انتاجات أسيد اراب تردد صداها في المدارج حيث اهتزت أجساد الجمهور على نسق إيقاعات مختلفة في عرضين موسيقيين ينهلان من الهوية الإفريقية.