عرض الفنانة النيجرية “يامي آلادي” والفنان الإيفواري “تيكن جاه فاكولي” على ركح مهرجان قرطاج الدولي لم يحمل قي ثناياه أبعادا فنية فحسب بل حمل عدة رسائل في علاقة بالجدل الذي رافق مسألة المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.
هذا العرض المشترك يتخذ أهميته من السياق الجدلي الذي يحاوطه إذ يأتي بعد اختيار مغني الراب الفرنسي من أصول كونغولية “ماتر جيمس” إلغاء حفله في تونس واقتفاء أثره من ثنائي الراب “بيغ فلو” و “أولي” اللذين ألغيا عرضهما ضمن برمجة مهرجان قرطاج لأسباب أرجعاها إلى الوضع الراهن الذي لم يحدداه ولكن الكل فهم أن الأمر يتعلق بقضية المهاجرين غير النظاميين.
إفريقيا الأم بموسيقاتها وحيواتها والوانها الكثيرة ووجوه المقاومة المتعددة تجلت على الركح الأثري من خلال الثنائي الإفريقي الذي قرر أن يمرر رسائل حب وسلام ونضال من خلال الفن.
كان من الممكن أن تنخرط “يامي آلادي”و “تيكن جاه فاكولي” في موجة العبث ويلغيا العرض انتصارا للمهاجرين ولكنهما خيرا لقاء الجمهور التونسي ونثر موسيقاهما في ثنايا الآثار لعلها تجد صدى لدى راسمي السياسات.
إيقاعات الريغي والجاز والأفروبوب تعالت في أرجاء المسرح الأثري لتحتفي بالحرية والمحبة والسلام ولتلعن كل الأنفس المريضة التي تدس الفتنة والتقسيم وتبث خطابات الكراهية والعنصرية.
أغاني “Tumbum” و “Africa” و”Mama”، صدحت بها حنجرة “يامي آلادي” وهزت ذبذباتها المسرح وتواترت معه صور من عمق إفريقيا، من عاداتها وطقوسها وتفاصيلها التي تعكس هوية متجذرة في الحياة.
على الركح، أبدت “يامي آلادي” فخرها بالغناء على مسرح قرطاج ورفعت راية تونس عاليا وهي تغني لإفريقيا في رسالة مفادها أن تونس إفريقية أمس واليوم وغدا وأن سحابة الصيف العابرة زائلة وإن طالت.
وبزيه الإفريقي وعصاه التي تحيل إلى الحكمة اختال “تيكن جاه فاكولي” على الركح وارتسمت في عينيه قضايا شعوب القارة الافريقية التي يحمل حبها في قلبه ويثيرها على طريقته حيثما ذهب.
وفي موسيقاه الثائرة الرافضة لكل أشكال الهيمنة تجلى نضال المستمر ودفاعه المستميت عن وحدة إفريقيا وحريتها وعن التحرر والانعتاق من الاستعمار في أشكاله الكلاسيكية والحديثة.
في هذه السهرة الافريقية الصرفة تبدّت قدرة الفن على رأب الصدع الذي خلفته مرحلة العبث التي نعيشها في الآونة الأخيرة فكانت الموسيقى والكلمات حمالة رسائل ومعانيَ وبلسما يداوي جروحا حاول البعض رش الملح عليها.