“مع السلامة”، “شكرا”، كلمات باللغة العربية لفظها بعض الأسرى الذين تولت كتائب القسام تسليمهم في إطار صفقة التبادل ضمن الهدنة الإنسانية المؤقتة وأرفقوها بابتسامات ونظرات عرفان.
“سأشتاقك أخي” يقول أحد رجال الكتائب لأسير في عملية التسليم الأخيرة ليرد بابتسامة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون قد تصنعها أو أرغم عليها مسبقا وهو ما يسري على ابتسامات بقية الأسرى والأسيرات.
وطيلة عمليات تسليم الأسرى من قبل الكتائب، تواترت المشاهد التي قد يتعطل معها العقل إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يحب “طير” “سجانه” ولكن يبدو أن رجال الكتائب ونساءها قد جعلوا من المستحيل ممكنا.
الأحضان بين الآسر والأسير والنظرات التي اختلط فيها فرح العودة إلى الديار بمشاعر الفراق تدفعك دفعا إلى التساؤل عما فعلته الكتائب حتى استمالت قلوب الأسرى والأسيرات وكسرت الصور النمطية المرتبطة بفعل الأسر.
جنسيات مختلفة، رجل ونساء وأطفال غادروا سكن الكتائب في عمليات التسليم ولم تتبد على ملامح أي منهم نظرات الخوف والجزع بل إن كل عيونهم كانت متعلقة بعيون العناصر الذين لا تظهر إلا عيونهم من وراء اللثام.
وفيما ينكل الاحتلال الصهيوني بالأسرى الفلسطينيين ويذيقهم الوانا شتى من الإهانات والقمع، أظهرت الروابط التي مدتها الكتائب مع أسراها الاختلاف الجذري في التعاطي والهوة العميقة بين الوحشية والإنسانية.
كل الذين تم تسليمهم في الصفقات السارية ضمن الهدنة كانوا ضيوفا لدى الكتائب كما أعلنها المايسترو أبو عبيدة ذات خطاب وقد أكرمتهم وعاملتهم بما تمليه الإنسانية والأخلاق والدين وكتبت فصولا تفتح القلوب قبل العقول.
وفي الوقت الذي تظهر فيه أمائر المعاملة السيئة على وجوه الأشبال والأسيرات الفلسطينيات على اختلاف مدة أسرهم في سجون الاحتلال، لم يبد على ملامح الأسرى من الجهة الأخرى إلا علامات الارتياح بل والمحبة أيضا.
سيحل اليوم الذي ينتهي فيه الاحتلال الصهيوني، عاجلا أو آجلا، ولكن تلك المشاهد التي بثتها الكتائب لن تمحى من ذاكرة كل من وقعت عيناه عليها إذ تنطوي على رسائل مختلفة وتحيل إلى حرصها على الانتصار في حرب الصورة.
مشهد الفتاة التي تحمل كلبها في أحضانها، نظرات الوداع التي تفيض كلاما وتجعل من الأسر ، رسالة الأسيرة التي صبت جام غضبها على بنيامين نتنياهو في أحد الفيديوهات، والتي اعتبرت أنها أسيرة شكر، حديثها عن المعاملة الحسنة لابنتها التي قالت إنها كانت ملكة في غزة، تفاصيل ترجح كفة المقاومة على جميع الأصعدة.
ومن الضروري الحديث عن اهتمام الكتائب بالتفاصيل من حرص على تسليم الأسرى قوارير ماء وأشياء أخرى ووداعهم بابتسامات ترتسم في عيونهم فيتلقفونها بحرارة وكأنما ألفوا اللثام على وجوههم ولم تعد تعنيهم تفاصيلها.
ولا يمكن الحديث عن هذه التفاصيل دون التذكير بأن غزة تعيش على وقع عدوان همجي غاشم ولكن ذلك لم يحل دون إكرام الضيف وحسن معاملته على عكس ما يفعل الاحتلال مع الأسرى في سجونه ولعل ملامح الأسيرات المحررات والأشبال تروي ذلك.
وبعيدا عن المشاهد التي أجادت الكتائب تصويرها، لم تخل عمليات التسليم من رسائل سياسية وعسكرية موجهة رأسا إلى العدو وإلى كل من يعتقد في “انكسار” المقاومة إذ وقف فصيلا السرايا والكتائب جنبا إلى جنب في رسالة عنوانها الوحدة.
في غزة التي مازالت تنزف من أثر العدوان والخذلان تمت عمليات التسليم بحضور الجماهير في مشهد يؤرق قادة الاحتلال الذين ما انفكوا يروجون لسيطرتهم على غزة وقضائهم على قادة الكتائب في رسالة عنوانها “المقاومة لا تموت ولا تنكسر”.
زد على ذلك أن الكتائب، هذا الفصيل الذي حمل على إزره طوفان الأقصى قبل أن تلتحق به بقية فصائل المقاومة صار حديث كل العالم وشد إليه العيون إثر الفيديوهات التي توثق لعمليات التسليم والتي صارت جزءا من اليومي.
الكتائب التي حاول الاحتلال تشويهها وإلصاق صفة الإرهاب بها في الوقت الذي يمارس فيه ضروبا من الإرهاب في حق الفلسطينيين، راهنت على حرب الصورة وانتصرت فيها وباتت حديث الجميع.