أجرى الحوار : محمد علي بن الصغيّر
نجح الباحث عُرَيْب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية خلال مشاركته على هامش الدورة 37 لأيام المؤسسة المنعقدة مؤخرا في سوسة، في شد انتباه المشاركين في هذا الحدث الاقتصادي، من خلال مداخلة قيّمة اتى خلالها على جانب مهم من الواقع المرير الذي يعيشه قطاع غزة جراء العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني. والواقع أن هذا الكاتب والمحلل السياسي الذي قدّم العديد من البرامج الحوارية السياسية على شاشة التلفزيون الأردني، بدا ملمّا ايّما إلمام بحيثيات الحرب في القطاع الذي وصفه بـ”المنكوب” وبتفاصيل الشأن الفلسطيني عموما. حيث قدّم معطيات وأرقاما تترجم وحشية المحتلّ ولاإنسانيته في مواجهة شعب أعزل.
الرنتاوي خصّ رياليتي اونلاين بحوار أتى في مجمله على جوانب تخصّ الحرب على غزة تحديدا والمواقف الدولية والعربية خصوصا من هذا العدوان الذي خلّف أكثر من 18 الف شهيد.
لو تقدّم لنا نبذة عن غزة قبل الحرب ؟
كانت غزة تخضع قبل الحرب الحالية عليها لحصار مرير امتد على أكثر من 17 سنة، حيث أن كل السلع التي كانت تمر الى القطاع يتمّ فحصها فحصا دقيقا عبر أجهزة الفحص الاسرائيلي بما في ذلك مواد البناء التي كان يتم إدخالها عبر وساطة المنظمات الدولية والأمم المتحدة.
هذا دون الحديث عن الوضع الاقتصادي المتدهور وارتفاع نسب الفقر وخصوصا البطالة حيث ان نسبتها تعتبر الأعلى في العالم.
ما هو توصيفك لما يحدث في غزة حاليا ؟
نحن الآن نتحدث عن قطاع منكوب. غزة اليوم تشبه بصورة أكثر فظاعة المدن الألمانة في الحرب العالمية الثانية ابان الحرب التدميرية التي قادها الحلفاء لتركيع ألمانيا. لقد قضى العدوان الصهيوني الأخير على مظاهر الحياة في غزة تماما، اذ لم تتبق مدرسة ولا مستشفى ولا مؤسسة دولية ولا مصنع ولا مسجد. كلّ هذه المنشآت تم تدميرها. لقد تمت تسوية نصف المنازل تقريبا بالأرض.
والغريب أنه وللأسف الشديد لا نسمع أصواتا كثيرة لا في الغرب ولا في الشرق تسارع بالحديث عن وقف الحرب وإعمار قطاع غزة.
لقد قضى العدوان الصهيوني الأخير
على مظاهر الحياة في غزة تماما،
اذ لم تتبق مدرسة ولا مستشفى
ولا مؤسسة دولية ولا مصنع ولا مسجد.
ألا يدخل هذا في إطار ما يتم توصيفه بالمؤامرة الدولية على غزة وعلى الغزّاوين لتهجيرهم من أرضهم وإغلاق ملف غزة نهائيا بحكم أنه يعتبر الكابوس اليومي الذي يقض مضجع الاسرائيليين ؟
بالضبط. اسرائيليا التهجير هو الهدف وكل ما يتم ترويجه عن التراجع عن خطة التهجير هو من قبيل الكذب. دوليا، يراد لعملية الإغاثة والمساعدات وإعادة الإعمار أن تكون ورقة سياسية للضغط على الشعب الفلسطيني للتخلي عن مقاومته ورفع الراية البيضاء ومغادرة أرضه. لأنهم يستخدمون ورقة سياسية لأغراض انتهازية تخدم اسرائيل في المقام الأول والأخير.
وبخلاف ما شاهدناه بُعيْد الحرب الروسية على أوكرانيا من تهافت الغرب لتقديم أكثر من 240 مليار دولار حتى الآن لدعم اوكرانيا وتباكيهم بسبب وفاة 560 طفلا هناك خلال عشرين شهرا، لم نرهم يبكون لوفاة أكثر من 7000 طفل فلسطيني في 60 يوما فقط. انه الغرب الذي نعرفه ونتعامل معه الآن.
لكن مواقف القادة العرب أو معظمهم على الأقل لا تختلف كثيرا عما يبديه الغرب وهي مواقف متناقضة تماما مع النخب والشعوب العربية ؟ ألا يبدو ذلك محيّرا اليوم أمام فظاعة ما يحدث على الأرض ؟
هي حكومات وحكام عاجزون ومتواطئون. بعضهم متواطئ مع المشروع الإسرائيلي ويمنّي النفس بأن يستيقظ في اليوم الموالي ليجد المقاومة في غزة وحماس قد مُسِحتا من على وجه الأرض. هذا حالهم دون “ريتوش” ولا تزيين ولا تزويق في الكلام. هم من ينطبق عليهم البيت الشعري : “لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي”.
في الواقع هذه ليست تجربتنا الأولى مع هذه الحكومات بل لدينا تجارب عديدة سابقة حيث منذ اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة ونحن نواجه حالة الخذلان والتخلّي العربي. لقد خبرناهم في محطات كثيرة لعل أهمّها حصار بيروت (1982) وصمود هذه المدينة تسعين يوما في مواجهة العدو الاسرائيلي. ما يحصل في غزة اليوم لا يمكن مقارنته بما حدث في بيروت حيث الوضع في غزة أشد قسوة و أكثر دموية وأقسى فتكا وتدميرا.
دوليا، يراد لعملية الإغاثة والمساعدات وإعادة الإعمار
أن تكون ورقة سياسية للضغط على الشعب الفلسطيني
للتخلي عن مقاومته ورفع الراية البيضاء ومغادرة أرضه
تتحدثون هنا بصيغ الجمع لكن لكل دولة أو جهة درجة معينة من المسؤولية. ما هي درجة مسؤولية الدول الوازنة في الصراع العربي الإسرائيلي اليوم مثل دول الخليج أو مصر والأردن أو ما يسمّى بدول “الطوق” ؟
لا أريد هنا الدخول في تحديد اسم دولة بعينها لكن ما يمكن قوله أن دول الخليج مثلا ليست على قلب رجل واحد. مواقف هذه الدول مختلفة بعضها عن بعض. فالموقف القطري مثلا يختلف عن الموقف الاماراتي. قطر تحتضن قادة حماس وتدير وساطات بين حماس التي تشعر بالارتياح للأداء القطري وبين الجانب الإسرائيلي. على العكس تماما مع بعض الدول العربية التي لدى حماس مخاوف منها. فمصر مثلا لا تقوم بدورها حيث لا تسمح بدخول شربة ماء ولا لقمة غذاء دون موافقة الاسرائيليين. هناك عائلات مصرية في غزة تنتظر تصريحا للعودة ومصر لا تفعل شيئا حيال ذلك. أما بالنسبة للإمارات فالمسار الابراهيمي الذي أطلقته لم ير الفلسطينيون منه خيرا رغم كل الادعاءات الزائفة. وفي ذروة الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة يتم استقبال الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في أبو ظبي على هامش قمة المناخ “كوب28”.
وماذا عن السلطة الفلسطينية التي أبدت، على لسان رئيسها محمود عباس، استعدادها في وقت من الأوقات لتسلم مقاليد الحكم في غزة بعد نهاية الحرب بشروط؟
السلطة الفلسطينية هي بمثابة الغراب الذي ينتظر سقوط الجيفة لينقض عليها و ينهشها. هي لم تحرك ساكنا حيال ما يحدث في غزة إلى درجة أن وزير خارجية الأردن تباحث في شأن الحرب أكثر من وزير الخارجية الفلسطيني نفسه. الرئيس عباس مثلا الذي ينطبق عليه المثل “مكره أخاك لا بطل”، لم يغادر “عرينه” إلا لحضور القمة العربية. وهي قمّة عربية وُصِفت بالطارئة وهي التي انعقدت بعد مرور 22 يوما على اندلاع الحرب على غزة ! أما القادة العرب فلم يستجيبوا إلا بعد انقضاء 33 يوما على الحرب. ولكأنّهم كانوا ينتظرون أن تفرغ اسرائيل من تحقيق أهدافها حتى تُريحهم و يستريحوا.
السلطة الفلسطينية هي بمثابة الغراب
الذي ينتظر سقوط الجيفة لينقض عليها و ينهشها.
وكأني بكم تلمّحون الى أنهم يفكرون في فترة ما بعد الحرب أوما بعد حماس في غزة ؟ هل الحديث عن هذا الشأن وارد ؟
حماس ليست نفقا ليتم تدميره أو برجا أو بناية ليقع تهشيمها. حماس حركة ضاربة جذورها في عمق الشعب الفلسطيني. حماس فكرة والفكرة لا تموت. حماس ايديولوجيا والايديولوجيا لا تموت. حماس هي ضمير غالبية الشعب الفلسطيني حتى لا أدّعي وأقول كل الفلسطينيين ولك مثالا على ذلك ما تحصده حماس حاليا من حظوة عربية وإسلامية منقطعة النظير. الشعوب العربية المنتفضة تهتف اليوم بأسماء مثل أبو عبيدة ويحي السنوار وغيرهما من قادة حماس.
حماس ليست نفقا ليتم تدميره أو برجا أو بناية ليقع تهشيمها.
حماس حركة ضاربة جذورها في عمق الشعب الفلسطيني.
حماس فكرة والفكرة لا تموت. حماس ايديولوجيا والايديولوجيا لا تموت.
ولنفترض جدلا أنهم احتلوا غزة ماذا تراهم فاعلون ؟ لقد دخل الغرب أفغانستان ثم سلكوها في طبق إلى طالبان التي حاربوها. دخلوا الى العراق لفرض الديمقراطية ثم سلموا العراق لإيران والحشد الشعبي. هم للأسف لا يتعلّمون ولا يريدون التعلّم فقد قرروا تحويلنا إلى فئران مختبراتهم. هم يحاولون الآن تركيب قيادة فلسطينية جديدة عميلة ومطواعة لتحلّ مكان حماس في قطاع غزة. هل سينجحون ؟ سنرى.