“عمارة يعقوبيان”، “ابراهيم الأبيض”، “الفيل الأزرق”، “تراب الماس”، “كيرة والجن”، “الأصليين”، أفلام للمخرج مروان حامد تبوأت مكانا ومكانة في المشهد السينمائي المصري وأنبأ أولها بمسيرة مختلفة لمخرج ينظر إلى السينما من زاوية مختلفة.
مروان حامد الذي نهل من والده وحيد حامد الشغف بعوالم السينما والنظرة المغايرة للواقع مهما تشابهت النظرات من حولهما، تدور حياته حول فلك السينما التي درسها في معهد السينما ولكن رحلته مع التعلم لا تتوقف و لا تنتهي، وفق حديثه في الحلقة النقاشية التي انتظمت في الدورة السادسة لمهرجان الجونة السينمائي.
في حديثه عن تجربة دراسة السينما أشار إلى أهميتها وثرائها وإلى استفادته منها وكونه محظوظا لأنه تعرف إلى أساتذة كبار ولكن ذلك لا ينفي كون بعض المؤلفين او المخرجين الكبار والمهمين لم يتحصلوا على شهادات إلا أنهم كانوا مطلعين جدا على ما يخص المجال، وفق قوله.
“عجلة الفن متغيرة.. السينما تتغير كل يوم على المستوى التقني وهو ما ينعكس على طريقة السرد وعلى المتلقي.. والشغف بالسينما وعشقها يدفع دائما إلى تحصيل المعلومات والإطلاع على الأفلام حتى الأنماط التي لا تستهوينا” بهذه الكلمات كشف عن بعض من فلسفته في المجال السينمائي.
كما تحدث عن التواصل في السينما وعن تأثر صناع السينما ببعضهم البعض وعن التساؤل والفضول الذين يمثلان بعض أسباب حبه الكبير للسينما إذ يرى أنها تسهم في تطور الإنسان وتعرّفه بشخصيات غير موجودة او مشابهة لشخصيات موجودة وأماكن لم تكن لتخطر بباله.
السينما بوابة لعوالم لا يعرفها مروان حامد الذي يحيا القصة قبل أن يتخذ أية قرارات إخراجية
عن الإضافة في تجربة صنع الفيلم وعن الشغف الذي يرافقها تحدث أيضا، قائلا ” المقياس هو الشغف الحقيقي بالعمل، أن يسيطر علي ويمثل لي هاجسا، مثل ذلك أن أقضي سنتين من العمل على نفس المشروع ويظل يستهويني.”
في سياق متصل، أضاف ” جمال العمل في السينما يكمن في أن لا احد يعرف نتيجة الفيلم.. هذا مخيف في صناعة الافلام ولكن في نفس الوقت يعطي حرية وجرأة في التعاطي مع العمل، مستشهدا بفيلم ” ابراهيم الابيض” الذي ظل يحاول ثمانية أعوام لصناعته ولم يكن ليفعل لولا أنه يحبه جدا ويستهويه.
السينما كما يحياها مروان حامد فضاء يدخله محملا بالأسئلة يبحث فيه عما يستهويه، يخوض فيه رحلة اكتشاف شخصية على اعتبار أن تجربته الحياتية ليس ثرية على عكس تجربة والده التي يحكيها في أفلامه، على حد قوله.
عبر السينما يحاول المخرج مروان حامد أن يلج عوالم لا يعرفها، عوالم تؤثر فيه بشكل إنساني كبير جدا وأن يحاول البحث عن سؤال واحد يختزل كل الأسئلة التي تدور برأسه بشكل واضح وبسيط وأكاديمي حتى لا يتوه امام الاختيارات الكثيرة، وفق تعبيره.
في فيلم “ابراهيم الابيض”، مثلا، كان السيناريو مفعما بالعالم الحقيقي الذي كتبه ووصفه عباس أبو الحسن بدقة، لكن رغم ذلك أراد الغوص فيه واقعيا لكي لا يكون العمل سطحيا وغير صادق واقترب من هذا العالم أكثر فأكثر، على حد قوله.
بمساعدة فريق الفيلم، يفهم المخرج الحريص على أن يحيا القصة قبل الانطلاق في تصويرها، عالم الفيلم والميكانيزم والعلاقات بين الشخصيات قبل أن يتخذ أية قرارات إخراجية تخلق واقعا للفيلم يصدقه المشاهد.
يخزن الأماكن والتفاصيل في ذاكرته ويراجع ما درسه وهو طالب ويحاول أن ينوع تجربته مع الحفاظ على نفس الشغف والفضول
في هذا الصدد استحضر فيلم عمارة يعقوبيان وعدم التوصل إلى التصوير في العمارة الحقيقية واستبدالها بعمارة أخرى بدت حقيقة أكثر على حد تعبير الرجل الذي تسيطر عليه السينما والإخراج طوال الوقت فلا يتوانى عن تخزين الأماكن والتفاصيل في ذاكرته لعله يلجأ لها في عمل ما.
وفي حديثه عن “تراب الماس”، قال إنه لم يخرج سابقا عملا في هذا النمط وأنه عاد إلى مراجعة ما درسه وهو طالب مثلما هي عادته قبل الانطلاق في أي عمل جديد إلى جانب مشاهدته لكلاسيكيات قديمة لينشط ذاكرته وعقله.
في سياق متصل، أشار إلى تأثره بفيلمي المشبوه والغول لسمير سيف والسينما المصرية في فترة الثمانينات والتسعينات التي اعتبرها مدهشة بشكل كبير على مستوى السيناريوهات والتنفيذ والمجهود، وإعجابه بفيلم البداية لصلاح أبو سيف الذي رأى أنه مليء بالخيال والحرية.
وأسلوب المخرج صلاح أبو سيف الذي يغير من نفسه استوقفه، إذ قال “أحاول أن أنوع تجربتي مع الحفاظ على نفس الشغف والفضول تجاه كل موضوع جديد أكتشف فيه أشياء لم أكن قادرا على اكتشافها واكتشف فيه نفسي.. أجرب شيئا جديدا”.
وفي ما يتعلق بفيلم “الأصليين”، أكد أنه يعتز به كثيرا و تعلم منه الكثير ، أكثر مما كان يتخيل وأن الأمر اختلف بين ما قبل العمل عليه وما بعده إذ طور من نفسه وتعلم أن يكون أكثر وضوحا وبساطة ويقدم لغة سينمائية واضحة، على حد قوله.
علاقة المنتج والمخرج شراكة إبداعية والممثل هو الوسيط الأول بين المخرج والمتفرج
وفي إطار المغامرة والتجريب اللذان لا يغيبان عن أعماله السينمائية، تحدث عن الأكشن وعن خوفه منه على اعتبار الإمكانيات المتفوق للتجارب الهوليودية والتي تحتم أن يكون هذا الأكشن مميزا وبالتالي واقعيا ومساهما في تأجيج المشاعر على غرار استخدام الأسلحة البيضاء في “ابراهيم الأبيض”.
الحديث عن الأكشن والإمكانيات يحيل مباشرة إلى الإنتاج الذي يراه مروان حامد بعيدا عن الزاوية المادية البحتة إذ يصف علاقة المنتج والمخرج بالشراكة الإبداعية، قائلا ” لا أحد ينتج في مجال السينما إلا إذا كان يحبها والمخرج يجب أن يفهم اقتصاد الفيلم وأن يخفض من سقف طلباته بما لا يخل بالرؤية العامة للفيلم”.
من الإنتاج يمر إلى الحديث عن التمثيل، إذ اعتبر أن الممثل هو الوسيط الأول بين المخرج والمتفرج فهو الذي يربط المشاهد بالفيلم فمن الصعب أن تحب فيلما دون أن تصدق الممثلين، الممثل هو أهم عنصر موجود في الفيلم، وفق تعبيره.
في الإطار ذاته تحدث عن دور الممثل كريم عبد العزيز في “الفيل الأزرق” ودور يسرا في “عمارة يعقوبيان” وأحمد السقا في “ابراهيم الأبيض” وعن دور منة شلبي في “تراب الماس” والتجربة شديدة الحساسية والقسوة في مشهد الاغتصاب وعن أدوار هند صبري في أربعة من أفلامه والتي قال عنها إنها مختلفة.
كما قال إن كل الممثلين الذين عمل معهم وضعوا قلوبهم دون استثناء أمام الكاميرا وبذلوا مجهودا نفسيا وجسديا للدخول في شخصيات معقدة، مشيرا إلى أنه يعتمد عنصر المفاجأة في الكاستينغ ويبتعد عن النمطية في التعامل مع الشخصيات.
“تجربتي ثرية جدا ومحظوظ جدا بالعمل مع ممثلين رائعين لهم ثقل وجماهيرية وقدموا مشاعر صادقة وحقيقية اثرت بشكل ايجابي جدا في تلقي الأفلام.. مهم جدا ان يترك الممثل أثرا” بهذه الكلمات واصل الحديث عن الممثلين في أفلامه قبل أن يتطرق إلى بقية فريق العمل.
صناعة الفيلم بمثابة بناء بيت والمونتاج من أمتع مراحل العمل
عن العلاقة مع المسؤولين عن الديكور والمسيقى والأزياء قال إنه ” تعاون فني.. بوتقة إبداعية كبيرة تخلف متعة”، مشيرا إلى أهمية تواصل وتناغم بين كل هذه العناصر .
واعتبر أن صناعة الفيلم بمثابة بناء بيت كل يضع فيه لبنة وبصمة ويضيفون إلى بعضهم البعض وأن أحلى ما في صناعة الأفلام ما قبل عرض الفيلم لأن عرضه يعني انتهاء الرحلة.
ورحلة الفيلم لا يمكن أن تنتهي دون المونتاج الذي يزداد اهتمام مروان حامد به مع امتداد تجربته السينمائية فحينما ينهي التصوير يحتاج إلى رأي مختلف في الوقت الذي يتملكه هاجس يتعلق بتركيب الفيلم ووضوح القصة ورغبة في رؤية الفيلم كاملا، وفق قوله.
“المونتاج هو محاولة لاكتشاف الفيلم.. أحيانا كثيرة في المونتاج تذهب أبعد من الخيال الاول والفكرة الاساسية..لقطات منفصلة ومشاهد متناثرة يتحول معها الفيلم في المونتاج إلى مولود فقبلها كان مجرد أفكر .. وهذا من أمتع مراحل العمل”، هكذا أمعن في الحديث عن مرحلة المونتاج.
سواء تحدث عن المونتاج او أي عنصر من عناصر الفيلم يحرك مروان حامد دائما الشغف والمحبة واحترام السينما واحترام صناعها واحترام الجمهور كما يحركه الفضول والتعلم والتجربة التي تضيف له على الصعيدين الإنساني والمهني.