“ستشرق من المغرب” وثائقي قصير للمخرج بسام بن براهيم يصور أربع تجارب كويرية في المغرب الكبير تحديدا تونس وليبيا والجزائر والمغرب ويبسط بعضا من معاناة الكويريين في مجتمعات محافظة.
عنوان الفيلم يبدو مثيرا على اعتبار دلالاته الدينية وارتباط قيام الساعة بشروق الشمس من مغربها، إلا أنه يقوض هذه الدلالات ويعوضها بخيوط الأمل التي تتسلل من الشمس المشرقة من المغرب الكبير.
والأمل يتبدى في رؤية المخرج في ثنايا الفيلم إذ لا تسعى كاميراه إلى إبراز هشاشة هذه الفئة أو الإيغال في معاناتها بقدر حرصها على إظهار قدرة الشخصيات على المقاومة والصمود في وجه المعاناة التي تتخذ أكثر من وجه.
على امتداد 23 دقيقة يحملنا الفيلم إلى تجارب كويرية مختلفة في تفاصيلها لكنها تلتقي عند نبذ الاختلاف وفوبيا الآخر الذي لا يخضع لمعايير محددة مسبقا وتلتقي عند الصراع بين البقاء في قلب الخطر أو المغادرة القسرية بحثا عن الأمان.
مشاهد من الواقع ترافقها شهادات لأربع شخصيات من مجتمع الكوير على إيقاع صور تحريكية تنهل من ذكرياتهم ومن مساراتهم في “المغرب الكبير” الذي غدا سجنا مفتوحا يذوقون فيه الويلات لينعموا بقسط من الحرية والأمان.
أربع قصص تحدت الأعراف والتقاليد والروايات الدينية التي تربط ظهورهم إلى العلن بكثرة بقرب قيام الساعة، وتجاوز “العيب” و”الحرام” وكل تلك الأطر التي تنشئها المجتمعات لتشكل قوالب سكر متشابهة ورامت لنفسها الخلاص.
قوانين بالية تسلط على رقابهم وضغوط اجتماعية وعائلية وتمييز وضروب من العنف واجهها الرباعي الذي ظهر بوجه مكشوف ليتحدى كل تراكمات القمع والظلم والاضطهاد ويكسر قضبان الحديد المتراصة في الزنزانات الافتراضية التي أنشأها الآخر من حوله.
في الجزائر تحط كاميرا بسام بن براهيم الرحال لتتبع قصة “آدم” ذي السبعة والعشرين عاما وهو ناشط حقوقي كويري لم يتردد في مشاركة تجربته والحديث عن الصعوبات التي يتعرض لها مجتمع الميم عين في الجزائر في ظل الأحكام العائلية والمسألة المجتمعية والعقوبات القانونية، إذ عاش مشاهد أشبه بالكوابيس مع الأمنيين عند استخراج أوراق هويته كما قاسى التنمر والعنف.
أما في المغرب، فالأمر لم يكن سلسا ولا هينا على المخرج لتسجيل شهادة “عفاف” ذلت التسعة عشر عاما والتي سافرت للدراسة في فرنسا ولكنها عادت غصبا عنها بسبب رفض والدها قبول هويتها الجندرية وحتى حينما قررت منذ سنتين الانطلاق في إجراءات العبور الجندري أعرصت عن ذلك بسبب معارضة أهلها وهي تعيش الآن مع والدتها علاقة فاترة ومتوترة.
“آدم” و”عفاف” يشتركان في سعيهما للتغيير من داخل محيطهما ولكن يبدو أن الأمر لن يستمر أكثر فكلاهما بات يفكر في الرحيل على غرار “ريتاج”الشابة الليبية ذات الثلاثة والعشرين عاما ثنائية الميل الجنسي هربت إلى تونس طلبا للجوء بسبب التهديدات التي واجهتها في ليبيا بسبب دفاعها عن حقوق الكويريين لتقضي بها ست سنوات حيث عملت واستمرت في نشاطاتها الحقوقية.
ومن تونس المكان الآمن القريب الذي مكثت فيه لاستكمال إجراءات التوطين حلقت إلى الولايات المتحدة الأمريكية تماما كما حلق التونسي “جاد” نحو البرازيل، هو عابر جندريا يبلغ من العمر 24 عاما، بدأت قصة عبوره عام 2019 قبل أن يتسبب فيديو ظهر فيه وجهه وهو يحمل علم قوس قزح لتندلع الخلافات مع عائلته وتنتهي بمغادرته إلى البرازيل طالبا للجوء.
“آدم” و”ريتاج” و”عفاف” و”جاد” أربعة كويريين تعرضوا إلى أشكال مختلفة من المضايقات والتهديدات سواء من العائلة أو المجتمع أو الدولة في رحلة بحثهم عن الهوية التي تمثلهم ولكنهم لم يتوقفوا عن نشاطاتهم الحقوقية.
وفيلم “ستشرق من المغرب” يأتي لتلقي الضوء على ترسانة القوانين المعادية التي يواجهها أفراد المجتمع الكويري، وفي هذه القوانين يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى الفحص الشرجي الذي يمس بحرمة الجسد.
كما أنه أثار النقاش عقب عرضه في قاعة الريو عن الهوموفوبيا والترونسفوبيا وأشكال العنف التي يتعرضون لها من الاستغلال والاكتئاب وغيرها إلى جانب الصعوبات في الولوج إلى العدالة والصحة والعمل والتعليم ناهيك عن الصراعات الداخلية في رحلة البحث عن الهوية.