أجرى الحوار : محمد علي بن الصغيّر
نجح الفنان نبيل خليفة، أصيل مدينة القلعة الكبرى، من خلال رصيده الغنائي الغزير والثري بما يناهز 50 أغنية من الإنتاج الخاص اضافة الى 11 فيديو مصورا، في التموقع في مكانة متقدمة على الساحة الفنية جهويا. غير أن هذا النجاح على المستوى الجهوي وكذلك العربي من خلال نيله العديد من الجوائز في مهرجانات عربية، لم يقابله بروز على المستوى الوطني بالصفة التي يأملها هذا الفنان العاشق للون الطربي. فبالرغم من انتظام ظهوره على الساحة الفنية من خلال عدد كبير من العروض الشخصية إلا أن عدسات كاميرات القنوات التلفزية التونسية أبت إلا أن تتجاهل هذه الموهبة الفنية الفذة وتوجه أضواءها نحو أصوات أخرى لا يرى نبيل خليفة أنها تفوقه موهبة أو آداء.
في هذا الحوار المطول مع الفنان نبيل خليفة نأتي على عديد الجوانب من مساره الفني الذي يمتد على أكثر من ربع قرن وعن آرائه ومواقفه من بعض القضايا الفنية في تونس.
نبيل خليفة فنان تقليدي الهوى ومتأصّل في الهوية. ألا تعتقد أن إصرارك على التمسّك باللون الطربي والتقليدي كان عائقا أمام نجاحك إعلاميا على الأقل ؟
على العكس تماما على الأقل من منظوري الخاص. الأمر يتعلق بمسألة الاختيار. صحيح أني اخترت أصعب أنواع الفن وهو نوع من الفن غير المربح في تونس، لكن لا يمكنني أن أحيد عن هذا الاختيار. كما أن الفنان المتمكّن من آداء الأغنية الكلاسيكية لن تعوزه القدرة أبدا على آداء الأغنية الإيقاعية غير أن اختياري وقع على هذا النوع من الفن الذي أجد نفسي فيه وعلى كل حال لست نادما على ذلك.
لكن المشهد الفني، وتحديدا الموسيقي، سريع التحول وهناك أنماط موسيقية جديدة تشكلت ونجحت في فرض لونها. أين نبيل خليفة من هذا التحوّل ؟
كما أسلفت أنا لا أشعر بذاتي الفنية إلا في النمط الطربي. ولعلّه من المهم الإشارة في هذا السياق الى أن الأغنية الطربية هي وجهان لعملة واحدة. فهي الأغنية الدسمة القائمة على القصيد أو الدّور أو الموشّح وغيرها وهي أيضا الأغنية التونسية الطربية التي تعتمد إيقاعا سريعا متلائما مع الأذواق الشبابية. وأنا مهتم أساسا باللون الطربي الكلاسيكي.
وهل لهذا النمط الفني حاليا جمهوره الخاص به ؟
نعم. ولعل ما نقدمه صلب جمعية السنباطي للموسيقى العربية من موشحات وأدوار وأغاني كلاسيكية طربية ومالوف خير دليل على أن هذا الفن يحافظ على مكانته المتميزة لدى الجمهور الذي ما فتئ يعبر عن تعلقه بهذا النمط الفني من خلال حضوره المكثّف وتشجيعه المتواصل.
صحيح أني اخترت أصعب أنواع الفن وهو نوع من الفن غير المربح في تونس،
لكن لا يمكنني أن أحيد عن هذا الاختيار
بالعودة الى جمعية السنباطي للموسيقى العربية، ماذا عن هذه الجمعية التي تعتبر إحدى المحطات التي ساهمت في إشعاع اسم الفنان نبيل خليفة ؟
ربما كان للطابع الموسيقي الذي ميز أعمال جمعية السنباطي للموسيقى العربية الحافز الأهم الذي دفعني لأن أكون صلب هذه الفرقة الموسيقية المتميزة. فهي تتبنى لونا فنيا يتماشى مع ما أطمح اليه وما أرغب فيه. وللإشارة فإن هذه الجمعية تضم في صفوفها، إضافة إلى موسيقيين محترفين ومتكونين أكاديميا، مجموعة من الأطباء والمحامين والاطارات البنكية جمع بينهم الولع والتعلق بهذا الفن. ولعل المميز في هذه الجمعية ذات الطابع غير الربحي أنها تقوم بالعديد من العروض الخيرية.
هل تعتبر مشاركة جمعيتكم في الحفل الذي ستقدمه الفنانة ليلى حجيج يوم 22 مارس بالمسرح البلدي بتونس تتويجا لمسيرتها ؟
هو كذلك حتما. ذلك أن هذا العرض يعتبر الأول من نوعه لجمعيتنا في العاصمة. وللعلم فقد شاركت معنا الفنانة ليلى حجيج في عرضين سابقين حظيا بالنجاح.
أنجزت مؤخرا أغنية تشيد فيها بالصمود الفلسطيني في غزة. لو تحدثنا عن هذا العمل وعن دور الفنان في مساندة مثل هذه القضايا العادلة.
“صمود شعب” هي الأغنية التي احيي من خلالها الشعب الفلسطيني الأبي في مواجهة المحتل. وهو أقل ما يمكن للفنان أن يقّدمه كرسالة امتنان وعرفان لأشقائنا الفلسطينيين في نضالهم واستماتتهم في الدفاع عن الأرض وعن القضية.
“صمود شعب” هي في الواقع أغنية من كلمات الشاعرة الفلسطينية قمر الأعرج المقيمة في المملكة العربية السعودية التي عرضت علي فكرة آداء هذه الأغنية تعبيرا منها لإعجابها بصوتي. بعد مراجعتي لكلماتها اتصلت بالملحن والموزع أحمد الرطيبي وقمنا بتصوير هذه الأغنية في شكل فيديو كليب بالمسرح البلدي بسوسة مع المخرج زياد العبيدي.
الملاحظ أن نبيل خليفة، على غرار بعض الفنانين الناجحين عادة، لا يغير الفريق الرابح اي انك تتعامل في معظم أعمالك مع عدد قليل من الملحنين على غرار أحمد الرطيبي ومحمد الرواتبي.
صحيح. فقط للاشارة فان محمد الرواتبي مثلا الذي تعاملت معه كثيرا هو من الفنانين المغيبين، هو من أحسن العازفين والموزعين في تونس والدليل على ذلك أنه عادة ما تكلل مشاركاته في مهرجان الأغنية بالنجاحات والجوائز. أحمد الرطيبي كذلك من أحسن الملحنين والموزعين الذين أشعر أنه قريب مني فنيا.
غير أن ذلك لم يمنعني من التعامل مع فنانين من خارج تونس مثل الملحن وليد الحسيني مدير مهرجان مصر الدولي وفوزي عز الدين من مصر كذلك. أما في ما يتعلق بالشعراء فقد كانت لي انتاجات بأقلام عربية وتونسية مثل الشاعر الغنائي المولدي حسين من خلال أغنية “مازال بكري عليك” وهي من تلحين الموسيقار الكبير الناصر صمود وتوزيع أسامة المهيدي. لكن للأسف لم تنل هذه الأغنية حظها حيث لم يتم قبول مشاركتها في مهرجان الأغنية التونسية رغم أني أعتبرها شخصيا من أحسن الأعمال التي تم تقديمها. وفي هذا الصدد لا أخفي احترازي من مهرجان الأغنية في شكله الحالي الذي أعتبره مناسبة لإهدار المال دون النهوض فعليا بالأغنية التونسية كما يجب.
كيف ذلك وما هو تصورك حتى يلعب هذا المهرجان دوره المناط بعهدته على أكمل وجه وحتى ينجح في تثمين الأغنية التونسية وتطويرها ؟
يكون ذلك مثلا من خلال اختيار بعض الأغاني التونسية المتميزة المقدمة خلال هذا المهرجان وبرمجتها بصفة مكثفة في القنوات الاذاعية والتلفزية حتى يتم التعريف بها لدى الجمهور. الملاحظ اليوم غياب الأغنية التونسية في أبعادها المختلفة ذلك أن معظم الأغاني ما انفكت تتميز بنزعتها نحو الطابع الشرقي كلمات والتركي لحنا الى درجة اننا اصبحنا نفتقد للطابع التونسي في أغانينا.
“صمود شعب” هي الأغنية التي احيي من خلالها الشعب الفلسطيني الأبي في مواجهة المحتل. وهو أقل ما يمكن للفنان أن يقّدمه كرسالة امتنان وعرفان لأشقائنا الفلسطينيين في نضالهم واستماتتهم في الدفاع عن الأرض وعن القضية
ولكن ألا ترى أن ذلك يدخل في باب التطوير بهدف التماهي أو الاستجابة لما يطلبه الجمهور ؟
قطعا لا. فمن غير المسموح أن نستجيب لطلب الجمهور والحال أن أموالا طائلة ما فتئت ترصدها وزارة الثقافة اما للدعم المباشر او من خلال المهرجانات على غرار مهرجان الأغنية أو أيام قرطاج الموسيقية للمحافظة على هوية الأغنية التونسية وطابعها التونسي الصرف.
هل ظُلِم نبيل خليفة فنيا وإعلاميا ؟
نعم للأسف. ولا أبالغ إن قلت إني ظلمت كثيرا. ليس تعاليا ولا انتقاصا من قيمة غيري لكن أنا على يقين أن لم أحظ بالمكانة التي أستحق في البرامج التلفزية أو الإذاعية. أكاد أجزم أني من بين أكثر الفنانين مواظبة على الإنتاج الخاص والحال أنه وكما اسلفت، في رصيدي عشرات الأعمال الخاصة على عكس بعض “النجوم” الذين لا يمتلكون مثل هذا الرصيد لكن يحظون بمتابعة اعلامية كبيرة. وحقيقة يحز في نفسي هذا التجاهل من قبل القنوات التلفزية التونسية.
لكن ألا تعتبر نفسك مقصّرا في هذا الجانب من خلال عدم تعويلك مثلا على مدير أعمال على غرار عدد من الفنانين “الناجحين” إعلاميا ؟
صحيح لم أتعاقد مع مدير أعمال لأن الإمكانيات المادية للفنان التونسي عادة لا تسمح له اباتداب مدير أعمال. لكن الأصل في الأشياء أن الفنان لا يستحق المرور عبر مدير أعمال لأن أعماله كفيلة بالترويج له والتعريف به.
كيف تفسر اذا هذا التجاهل الذي ذكرت أو التغييب للفنان نبيل خليفة ؟
للأسف لا أجد الإجابة عن هذا السؤال بالرغم من عديد الاتصالات التي تردني أو التي أقوم بها مع بعض منشطي البرامج الفنية في القنوات التلفزية.
لا أبالغ إن قلت إني ظلمت كثيرا. ليس تعاليا ولا انتقاصا من قيمة غيري لكن أنا على يقين أن لم أحض بالمكانة التي أستحق سواء في البرامج التلفزية أو الإذاعية
وكيف تقيم حضورك إعلاميا وفنيا على المستوى الجهوي ؟
صراحة أنا راض نسبيا عن حضوري على هذا المستوى رغم اقتناعي أنه بإمكاني البروز أكثر فأكثر. لكن عموما أنا بصدد العمل على تكثيف نشاطي فبعد تقديمي خلال السنة الفارطة لعرض “حليميات” في القلعة الصغرى، أستعد حاليا للعرض الضخم الذي سأقدمه بمناسبة شهر رمضان المعظم بدار الثقافة بمساكن يوم 30 مارس الجاري وهو عرض بعنوان “سيد الخلق”. وهنا استغل الفرصة لأتقدم بجزيل الشكر للمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسوسة على تعاونها في هذا الشأن.
وماذا عن هذا العرض ؟
عرض “سيد الخلق” هو عرض ديني بالأساس ينقسم إلى ثلاث فقرات. الفقرة الأولى مخصصة لإحياء الأغاني الدينية الكلاسيكية من قبيل “الرضا والنور” و”عليك صلاة الله وسلامه” و”هلت ليالي” وغيرها من الأغاني التي دأب الجمهور التونسي والعربي على سماعها في مثل هذه الظرفية الزمنية. أما الفقرة الثانية فستكون مخصصة لتقديم انتاجاتي الخاصة على غرار “ألفين صلاة” و”هذا خيرك يا رمضان” و”سيد الخلق” جنب المقام” و”يا حمامة”. في حين أن الفقرة الثالثة والأخيرة فستكون فرصة لإحياء أغانينا التونسية مثل “يا محمد يا جد الحسنين” و”قلبي مشتاق” و”جارت الأشواق” وغيرها.
هل هناك أصوات موسيقية ظلمت في تونس ؟
نعم الكثير. العديد من الأسماء التي رافقتني في بداية مشواري وهي من الأصوات المتميزة لم تستطع الصمود وانسحبت من الساحة رغم طاقاتها الابداعية لأن الفن يحتاج الى طول النفس.
تقصد حتما الجانب المادي ؟
بطبيعة الحال.
هل يستحق الفن التفرغ الكلي ؟
في تونس قطعا لا. يجب على الفنان أن يكون متمتعا بوظيفة أو لديه دخل مادي قار حتى يستطيع التفرغ للفن. الإنتاج يتطلب الكثير من المصاريف وهو ما لا يمكن للفنان المتفرغ كليا للفن من توفيره. شخصيا انا فنان محترف لكن اجد نفسي اتعامل مع الفن بعقلية الهاوي حيث أني أجد نفسي في معظم الأحيان أنفق على أعمالي الفنية دون أن يقابلها مردود مادي.
العديد من الأسماء التي رافقتني في بداية مشواري وهي من الأصوات المتميزة لم تستطع الصمود وانسحبت من الساحة رغم طاقاتها الابداعية لأن الفن يحتاج الى طول النفس
كان لك سابقا تجربة ثنائية متميزة مع الفنانة سندة الصكلي. هل أنت من المهتمين بالأعمال الثنائية ؟
نعم أنا أدعم كثيرا مثل هذا التوجه الناجح والدليل أن اليوم هناك العديد من الأعمال الثنائية في تونس على غرار الثنائي أسماء بن أحمد-محمد الرباعي.
شخصيا كانت اولى تجاربي في هذا الشأن مع الفنانة المتميزة سندة الصكلي المقيمة حاليا بدبي. لكن هناك صوت آخر متميز ويثير اهتمامي كثيرا وهي الفنانة وصال حشلاف التي شاركتني في حفل “حليميات” وهو صوت يتماشى كثيرا مع صوتي. وللإشارة سنقدم سويا عرض آخر يحمل نفس الاسم “حليميات”.
نبيل خليفة فنان عاشق للون الطربي. مع أي الفنانين، تونسيين كانوا أم عربا، تتماهي معهم ؟
في تونس أنا من المتأثرين كثيرا بالفنانين مصطفى الشرفي والهادي القلال وعلي الرياحي ويوسف التميمي والصادق ثريا. أما في ما يخص الفنانين الشرقيين فأولهم ودون منازع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وهاني شاكر ومدحت صالح وغيرهم من رواد المدرسة الكلاسيكية.
أوليس لقرب هذه الأصوات لطبيعة خاماتك الصوتية ؟
لا ولكن بمدى تعلقي بالنمط الموسيقي الذي يقدمه هؤلاء الذين ذكرتهم. لا أشعر بكينونتي الفنية إلا في هذا النمط ومع هاته الأسماء.
نبيل خليفة من الفنانين الناشطين على الساحة العربية من خلال مشاركاتك في العديد من المهرجانات. هل هناك مشاركة جديدة في الأفق ؟
سأكون حاضرا بإذن الله في حفل افتتاح الدورة السابعة من منتدى مصر الدولي لكنوز الإبداع الذي سيلتئم من 24 الى 28 أفريل في مدينة الغردقة المصرية.