“من هنا تبدأ القصة” … عبارة تطالعك في فيديو يعرض بعضا من مسارات التلامذة في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد، بدءا من حلق الشعر في لحظة يتماهى فيها الكل في هيئتهم رغم الاختلافات وتنطلق معها رحلة نكران الذات، وصولا إلى اختتام التكوين.
“ما بين جيل وجيل يتجدد الولاء للوطن وبعقيدة راسخة يتواصل رفع العلم”. صورة تفصل بين زمنين، الماضي والحاضر، عن يمينها صورة بالأبيض والأسود لضباط يحملون العلم وعن شمالها صورة ملونة، مشهدية ينتفي فيها الزمان والمكان ورفرف فيها العلم شامخا وهو بين سواعد أبنائه.
كل هذه التفاصيل المفعمة بالدلالات والرمزيات تلهب داخلك حس الانتماء إلى الوطن حتى يتعثر الزمن وتدور عقارب الساعة عكس المعتاد. ومن الساحة المترامية التي تنتهي بشعار الأكاديمية العسكرية؛ سيفان وغصن زيتون والراية الوطنية، تنطلق القصة في ذهن صحفية تقتنص الزيارات التي تنظمها وزارة الدفاع الوطني إلى مؤسساتها لترى وجه تونس الصامد.
يا “ام السواعد سمر يا تونس الخضراء ” صدحت موسيقى الفرقة التابعة لفوج الشرف فيما أبدع التلامذة الضباط لوحات استعراضية تروي مراحل تاريخية عن الجيش الوطني والأكاديمية وتبرهن على انسجامهم وتناغمهم.
على إيقاع الأغنية التي اتخذت بعدا آخر والعلم يرفرف فوق شعار الأكاديمية حتى تخاله يعانق السماء والتلامذة الضباط يحملون الراية ويباهون بها، يقفز إلي ذهنك كل ذلك الجدل الذي رافق هذه الأغنية في الآونة الأخيرة في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين من الأفارقة جنوب الصحراء في ربط تتعطل معه كل سبل المنطق.
في لحظة ما تتمنى لو يستمع كل دعاة العنصرية والتفرقة والصائدين في الماء العكر إلى موسيقى الأغنية ويرقبون رفرفة الراية وحركات التلامذة الضباط ويتفكرون عدد التلامذة الأجانب الذين هم بصدد التكوين بالأكاديمية العسكرية وهم 35 أغلبهم من أفارقة جنوب الصحراء.
19 تلميذا من إفريقيا الوسطى و9 من ساحل العاج واثنان من النيجر وواحد من البينين و4 من موريتانيا يزاولون تكوينهم في ثنايا الأكاديمية العسكرية ويتم رفع أعلام بلدانهم إلى جانب العلم التونسي في أعيادهم الوطنية، وفق حديث آمر الأكاديمية شهاب خليفة.
تتواصل لوحات التلاميذ، حركات باليد دون أن يستعملوا السلاح، حركات تقوم على قاعدة مهاجمة العدو في المناطق الأكثر هشاشة في جسمه.
هجوم ودفاع، وضعيتان ينتقل بينهما العسكري بسرعة ليعدم فرص العدو في تجميع قواه ويصبح قادرا على مجابهة أكثر من خصم في آن واحد.
خطوات العسكريين تدوي في أرجاء الأكاديمية، وتمتزج بصرخاتهم المتواترة وعزف الفرقة العسكرية فتتولد عنها سمفونية بنكهة الفخر.
لوحة تاريخية تحمل سلاما وإكراما لمن ناصلوا من أجل استقلال تونس وحريتها على مر السنين، ولوحة فنية بالدراجات الهوائية تنتهي برسم شارة اللانهاية، لانهاية الذود عن الوطن، لوحة استعراضية باستعمال الشطاير، ولوحة فروسية سبقت الاستعراض وعلقت بالذاكرة.
العنصر النسائي تألق في عرض فنيات التدخل العملياتي عن قرب، ولن تميز إحدى تلميذات الأكاديمية العسكرية وهي تؤدي الحركات التي يقوم بها زملاؤها إلا بشعرها. كانت تقفز وتناور كفراشة حالمة والأمر ينسحب أيضا على لوحة الفروسية، ينتابك شعور بالعزة والفخر ويشتد حينما يتحدث آمر الأكاديمية عن انتداب أول تلميذة في الأكاديمية سنة 1974 في خطوة سبقت فيها تونس عدة دول غربية وفق العميد شهاب خليفة.
هنا المهمة أمانة.. والروح رهن الوطن
في حديثه عن مهمة الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد يصفها العميد شهاب خليفة بالأمانة ويقول بكل ما أوتي من نكران للذات إن عقد تطوع بالحياة يربط العسكريين بتونس بمعنى أن الروح رهن الوطن.
والأكاديمية التي بُعثت رسميا بموجب الأمر عدد 66/529 بتاريخ 24 ديسمبر1966، تعد من بين المدارس العسكرية المشهود لها بجودة التكوين وقد بلغت فيها نسبة النجاح حوالي 96 بالمائة، وفق ما أفاد به آمرها الذي ما انفك يردد باعتزاز أنها أم المدارس العسكرية.
وهذه المدرسة العسكرية تعنى أساسا بتكوين الضباط لفائدة جيش البرّ وبقية الجيوش والإدارات والمصالح المشتركة بوزارة الدفاع الوطني.
وتساهم في تكوين الضباط لفائدة وزارات أخرى على غرار وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة المالية.
وتسند للضباط المتخرجين الشهادة الوطنية لمهندس وشهادة الماجستير معادلة لمؤسسات التعليم العالي، وتشمل مجالات التكوين في الأكاديمية جوانب عسكرية وجوانب أكاديمية وأخرى بدنية، إلى جانب القيم العسكرية من قبيل الواجب والشرف والوفاء وخدمة الوطن وتحمل المسؤولية.
وفي إطار التعاون الدولي تعمل الأكاديمية العسكرية مع عدد من الدول الأجنبية والعربية من خلال تبادل الزيارات والخبرات والتكوين ومشاريع ختم الدروس، وتستقبل تلاميذ من دول صديقة وشقيقة.
“الحياة عقيدة وجهاد”
حيثما وليت وجهك في الأكاديمية يطالعك علم تونس المخضب بدماء شهدائها، عن يمينك وعن شمالك ترفرف أعلام بلادنا ويصفق لها النسيم فتتحرّك كأجنحة حمائم السلام. وأينما سرت في الأكاديمية في الخارج حاوطتك الأشجار الخضراء، طريق أشبه بدرب الحياة، الحياة بما هي عقيدة وجهاد، ذلك الشعار الذي كتب عند الباب الرئيسي.
“الحياة عقيدة وجهاد” ميثاق ينبني عليه منهاج الأكاديمية العسكرية حيث حب الوطن عقيدة يتشربّها العسكريون، تمعن فيه وأنت تدندن بيت الشعر” قف دون رأيك في الحياة مجاهدا.. إنّ الحياة عقيدة وجهاد” قبل أن تنبري نحو فضاءات الأكاديمية حيث الاهتمام بالفنون من شعر ورسم وغيرها والتقنية على غرار رقمنة المكتبة والاختراعات التي تساهم في النهضة بالوطن.
الشمس في كبد السماء تختبر صبر الجميع ، لكنّ من نهل من ميثاق ” الحياة عقيدة وجهاد”، لا ترهبه حرارة الشمس ولا يتوانى عن الوقوف تحت أشعتها لساعات، فجميع العسكريين الذين رافقوا الصحفيين في زيارتهم للثكنة كانوا وكأنهم غير مغنيين بموجة الحر التي هبت دون سابق إنذار.