“ليس من سمع كمن رأى” كلمات تختزل تفاصيل الزيارات التي تنظمها وزارة الدفاع الوطني للصحفيين حتى يزوروا مؤسساتها العديدة ويكتشفوا بعضا من مراحل “صناعة” حماة الوطن برا وبحرا وجوا.
في القاعدة البحرية بصفاقس صارت الكلمات التي نقرؤها في بلاغات وزارة الدفاع الوطني عن تدخل جيش البحر في حال الاشتباه بمركب صورا ومشاهد في سيناريو يحاكي الحقيقة ولكنه أيضا يحيل إلى أفلام الأكشن.
رغم علم الصحفيين والصحافيات المسبق بسيناريو العملية إلا أن الأمر لم يخل من تشويق تجلى منذ أن أبحرت الجوالة “دقة” وتناثر زبد الأمواج وصار ميناء الصيد البحري بصفاقس بعيدا جدا حتى تلاشت معالمه.
وفيما تلاحمت السحب مع الأمواج وتلون البحر بلون السماء؛ زرقة تحاوطها هالة رمادية، يلوح مركب صيد من بعيد، يشتبه آمر الجوالة في المركب يتواصل مع “الرايس” (الربان) ويستعلم عن اسم المركب ورقمه وعدد البحارة على متنه وزمان الإبحار ومدة بقائه في المركب.
قبل التفتيش يتم التثبت من تصريحات “الرايس” ليتبين أنه قدم معلومات مغلوطة ليتم التواصل معه من جديد من قمرة الجوالة ومطالبته بوقف محركات المركب وتتولى قوات الفوج 52 لطلائع البحرية على متن خافرة اقتحامه وتفتيشه المدقق.
أثناء عملية التفتيش يتبين أن “الرايس” لم يقدّم معلومات دقيقة بخصوص عدد أفراد الطاقم وأن هناك فردا لم يتم التصريح به ليتم التواصل مع آمر الجوالة الذي يأمر بدعم التدخل بعنصر ناب ليكتشف أن المركب تحمل مادة مشبوهة (مخدرات).
وإثر الاقتحام والتفتيش تتم محاصرة طاقم المركب من قبل طلائع البحرية وتوجيه المركب تحاوطه الخافرة إلى ميناء صفاقس لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
بعد السيناريو الذي أعده آمر الجوالة “دقة” وطلائع البحرية بمساعدة عنصر الناب تحولت المعلومات النظرية المزدحمة في رأس كل صحفي عن عمليات الاقتحام والتفتيش في عرض البحر إلى واقع.
التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة وحماية السواحل وكل المهام ذات الطابع الهام، من بين مجالات تدخل فوج الطلائع الذين يحمون حدود تونس برا ، مثلهم مثل كل الذين يحمونها برا وجوا.
وبعد جولة في غمار البحر لاكتشاف وجه آخر للمهام العسكرية في القاعدة البحرية بصفاقس كانت الوجهة إلى القاعدة الجوية حيث يخطو حماة الوطن خطواتهم الأولى نحو السماء، يتغير المكان ولكن تظل تعبيرات حب تونس ذاتها من خلال البحث دائما عن التميز والريادة.
العسكري المنتمي إلى جيش البحر وإلى جيش الطيران، يظهر في حديثه وفي تصرفاته شغفه بالمهنة التي اختارها، فلئن كان الانتماء إلى المؤسسة العسكرية ككل مرادفا لنكران الذات ووضع روحك رهن الوطن فإن العمل في البحر الابيض في السماء ذو طابع خاص وهو ما يجعل الالتحاق بهما مقترنا بشروط مخصوصة.
في القاعدة الجوية العسكرية تشدك تفاصيل المكان، الشعارات ومجسمات الطائرات وتتوه أنظارك في رحاب مكان يجمع 3 وحدات جوية (الفوج 14 والفوج 15 والفوج 31) ومدرسة الاختصاصات المتعددة والمركز الأول للتدريب بجيش الطيران.
وقبل الخوض في الحديث عن الفوج 14 والمركز الأول للتدريب لا يمكن المرور دون الحديث عن مدرسة الاختصاصات الجوية بصفاقس التي تأسست في 7 ديسمبر 1984 ومهمتها تكوين ضباط الصف والتقنيين في المجالات التقنية الخاصة بالطيران ويشرف على تكوينهم مدرسون أكْفاء.
التكوين في هذه المدرسة نظري بالأساس يتعرفون من خلاله على مكونات الطائرات وكيفية التعامل مع ميكانيك الطائرة وجملة الأعطاب المتعلقة بالمحرك والإطلاع على الشبكة الكهربائية للطائرة.
والاختصاصات التي تدرس بالمدرسة تخص مجالات الطيران على غرار الطيارين وميكانيكي الطائرات والاعلامية والبرمجة والرصد الجوي، مع العلم وأن التكوين يرتبط بالأساس بحاجيات وزارة الدفاع.
وفيما تجسدت زيارة القاعدة البحرية بصفاقس في تمرين تطبيقي ورحلة تجمع بين الشاعرية والإثارة حينما تمخر الجوالة عباب البحر فإن زيارة القاعدة الجوية بصفاقس تجسدت في مصافحة تمرين طيران وجولة ف مركز التدريب الأول.
قبل تمرين الطيران يطلع التلامذة الطيارون، الذين أنهوا تكوينهم بمدرسة الطيران ببرج العامري بالفوج 14 ليتلقوا تكوينا قاعديا في الطيران، في قاعة العمليات على الأحوال الجوية المحينة ودليل الطيران التونسي ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية.
وفي عرض صباحي، يخوض الطيار المدرب مع الملاحين في جاهزيتهم وجاهزية الوسائل الجوية وبرنامج الطيران وتمرين الطوارئ، وقبل التوجه نحو مربض الطائرات يكون التلميذ ملما بكل التفاصيل النظرية ويقر باستعداده الجسدي والذهني للإقلاع وتوقيت الإقلاع في سجل الطيران.
على أرض الواقع يتفقد الميكانيكي الطائرة، ومن ثم التلميذ ومن ثم مدربه قبل أن يقلعا لتتم العملية في تناغم تام بين المدرب وتلميذه والتقنيين على متن “T6” التي توفر تكوينا قاعديا شاملا ومتكاملا بفضل ما تحتويه من تكنولوجيات متقدمة سواء في علاقة بالملاحة أو الإنذار.
في الوحدة الجوية 14 يتوفر أيضا فضاء يضم محاكي طيران يجسد تفاصيل الطيران كما تبدو في الواقع في بيئة آمنة وسلامة بإشراف مدربي طيران ويهدف إلى تحسين قدرات التلاميذ في التعامل مع الطائرة وتحسين قدراتهم في الطيران ومحاكاة حالات الطوارئ مع ضمان معادلة سلامتهم والتخفيض من كلفة ساعة الطيران.
وبعد ملامسة بعض تفاصيل هذه الوحدة التي تم بعثها في 31 جويلية 1984 ومن مهامها الرئيسية التكوين الأساسي للطيارين إلى جانب الاستطلاع الجوي والبحث والإنقاذ كان الموعد مع مركز التدريب الأول لجيش الطيران.
هذا المولود الجديد في القاعدة الجوية بصفاقس بعد نقله من الخروبة بتاريخ غرة أكتوبر 2022، تأسس سنة 1978، يؤمن التكوين العسكري والبدني والمهني للتلامذة الرقباء المباشرين لفائدة جيش الطيران والإدارات والمصالح المشتركة.
كما يؤمن المركز التكوين العسكري الأساسي لفائدة الجنود المتطوعين والمدعوين إلى جانب رسكلة ضباط الصف ورجال الجيش (الرقباء (ذكورا وإناثا)) عند الطلب والمشاركة في إعداد برامج التدريب الخاصة بالمركز والسهر على تنفيذها طبقا للخطط المحددة.
وفي ما يخص تفاصيل التكوين فهو يرتكز على أربع نقاط أولها التشبع بالمعطيات الأساسية في مجال القوانين والتراتيب العسكرية والتكوين الوطني والمعنوي، والقيم والمبادئ العسكرية السامية وقواعد آداب السلوك والانضباط في مجالات العمل والتصرف داخل وخارج القاعدة.
أما النقطة الثانية فهي معرفة الأساليب والتقنيات والمهارات الأساسية وحذق تنفيذ الأعمال الميدانية وآليات المهام القتالية على المستوى الفردي والجماعي.
وأما ثالثها فتتمثل التوصل إلى درجة عالية في اللياقة البدنية ورياضة القتال، فهي تتمثل الرابعة في ترسيخ الحس الأمني لدى التلميذ مع التروي بمفاهيم حفظ الصحة.
وإلى جانب احترامه للمعايير الصحية وتوفير ظروف معيشية محترمة يحتوي المركز على مسلك متطور يتعلم فيه التلميذ الصبر والثبات من خلال تمارين تشحذ جسده وعقله وتصنع منه رجل جيش ببنيان قوي وعقل متأهب في كل الحالات.