على أعتاب الإدارة العامة للهندسة العسكرية، تشدك رحابة المبنى وتغويك باكتشاف تفاصيله وتُنسيك حر الشمس الذي يسكن الرؤوس ويلفح الوجوه، فتمضي في دروبه على خطى القائمين عليه من عسكريين لا يهابون قسوة الشمس.
“حزم وعزم”، تطالعك هاتان المفردتان وهما تؤلفان شعار الإدارة في أول مصافحة مع ثناياها ضمن الزيارات الميدانية التي تنظمها وزارة الدفاع الوطني لوسائل الإعلام الوطني للاطلاع عن قرب على أنشطة المؤسسات العسكرية.
أعلى الشعار يطالعك رمز هذه المؤسسة المفعمة بالحكايات الملهمة: فيل إفريقي ومن خلفه مَعلَم أثري يوحي بأنه من خشب وتظهر من تفاصيله لبنات تحيل إلى البناءات، في قراءة أولى تتجلى عمليات الهدم والترميم والبناءات التي تنفذها الهندسة العسكرية ويظهر الإسناد في تفاصيل الحائط في الخلف ويبدو خرطوم الفيل كالرافعة.
صورة الفيل الافريقي توغل بك في التاريخ فتستذكر القائد العسكري القرطاجي حنبعل الذي استعمل الفيلة ليفتح الطريق إلى روما وتستحضر مقولة ارتبطت به وهي “إما أن نجد سبيلا.. أو نصنع لنا سبيلا” وتختزل بعضا من فلسفة الإدارة العامة للهندسة العسكرية التي توجد السبل وتصنعها على إيقاع “الحزم والعزم”.
هذه الإدارة التابعة لوزارة الدفاع الوطني تحملك على أجنحة التاريخ إلى أحداث وأماكن لم تكن لتصادفها وتبسط أمامك بعضا من الكفاءات التونسية في ورشات الإنتاج التابعة لها وتضعك وجها لوجه أمام معدات ومنتوجات تجمع بين الإتقان والنجاعة.
بعض الزوايا والأركان تجعلك تشعر بأنك في متحف أو معرض فني، وكلما أوغلت أكثر في الورشات يتجلى أمامك شعار “الحزم والعزم” وتتيقن أن اختيار الإدارة العامة للهندسة العسكرية للإشراف التقني على تهيئة المسبح البلدي بالبلفيدير ليس محض اعتباط.
فهذه الإدارة نواة تجمع كل المهام المتعلقة بالبنية الأساسية من ذلك إعداد المخططات المديرية للبنية الأساسية، ومساعدة القيادة وإرشادها في التعبير عن حاجياتها في مجال البنية الأساسية، و إعداد البرامج السنوية للبُنى الأساسية التابعة لوزارة الدفاع الوطني، وإنجاز الدراسات الهندسية وإجراء المراقبة التقنية لمختلف المشاريع وضبط واقتناء حاجيات مختلف هياكل الوزارة من معدات ومواد الهندسة، وإنجاز الأشغال وتنفيذ البرامج عن طريق الوسائل الذاتية أو المقاولات، وتفقد وصيانة وتصليح معدات الهندسة وتجهيزات التسخين التبريد.
من بين مهامها أيضا مسك وتحيين سجل المنشآت والعقارات التابعة للوزارة، ومسك وتحيين سجل شبكة الطرقات الوطنية والجسور، والمشاركة في البحث العلمي وتكوين ورسكلة العسكريين التقنيين في مجال الهندسة، والقيام بصفة استثنائية وبعد إذن وزير الدفاع الوطني بانجاز صيانة البناءات والمنشآت التابعة لهياكل مدنية.
وتدخلات النواة للهندسة العسكرية بوزارة الدفاع الوطني تشمل كافة تراب الجمهورية من خلال 6 دوائر جهوية للهندسة، اثنتان منها بتونس، والبقية ببنزرت وباجة والقيروان وقابس، عبر موارد بشرية من اختصاصات الهندسة المدنية والهندسة المعمارية والتزويق الداخلي وهندسة كهرباء وهندسة مياه وهندسة طاقة وهندسة ميكانيكية والتسخين وابتبريد ونظم المعلومات والأرشيف والتوثيق والتصرف والإدارة.
والمشاريع التي تشرف عليها الإدارة العامة للهندسة العسكرية تمر وجوبا بإدارة الدراسات التقنية التي تحاكي في سيرها خلية النخل وتشمل الاختصاصات السابق ذكرها ومن مهامها إعداد المخططات المديرية للبُنى الأساسية، وإنجاز الدراسات الهندسية، والمتابعة والمراقبة التقنية، وتحديد الكلفة التقديرية لمختلف مشاريع البُنى الأساسية، والمصادقة على الدراسات الهندسية، وإبداء الرأي الإستشاري في مشاريع البنية الأساسية التابعة للوزارة.
وأنشطة الإدارة التي تدور حول البُنى الأساسية التي تشمل الإنتاج اللوجستي والإنتاج، الصيانة والتدخلات، دراسة ومراقبة وإنجاز المشاريع الذي يقوم على مراحل تتمثل في البرمجة والإنجاز والمراقبة وبداية المشروع والاستغلال.
والإسناد اللوجستي يشمل المطابخ والمولدات الكهربائية والمكيفات والغسالات والمخابز ومعدات الوقاية من الحرائق ومحطات الضخ والتطهير، فيما تشمل تدخلات الصيانة التي يتم أغلبها على الميدان التسخين والتبريد، ومعدات المطابخ، والتجهيزات الكهربائية والمائية، وتتعلق تدخلات الإسناد باستعمال آليات الهندسة لفائدة مختلف هياكل وزارة الدفاع الوطني والمصالح المدنية، والتدخلات في مجال الحدادة والنجارة والوقاية من الحرائق والأسلاك الشائكة، وصيانة وتصليح آليات الهندسة.
وبراعة العناصر التابعة للإدارة العامة للهندسة العسكرية في عدة مجالات جعلت منها قطبا في الإنتاج في الحدادة والتركيب المعدني، ونجارة الاليمينيوم، والأسلاك الشائكة، والوحدات السكنية مسبقة الصنع، وشحن معدات الحرائق وتجهيز الخزائن الكهربائية.
وجولة في ورشات الإنتاج كفيلة بأن تكشف عن مهارة الأفراد فيها و دقة الصنع علاوة عن الاهتمام بالتفاصيل الجمالية خاصة في مجالات النجارة إلى جانب كونها فضاء للاختراع والابتكار الذي يجعلها قادرة على التعويل على كفاءاتها في التصنيع في عدة مجالات.
ولا يمكن الحديث عن الورشات والصناعة والتصنيع دون الحديث على التكوين، إذ تضم الإدارة العامة للهندسة العسكرية المركز العسكري للتكوين المهني وهو خاص بالجنود المدعوين والمدنيين، أما مدرسة الاختصاصات الهندسية فهي خاصة بضباط صف ورجال جيش.
ومستويات التكوين في المركز العسكري تتمثل المؤهل التقني المهني (BTP)، وشهادة الكفاءة المهنية (CAP)، وشهادة المهارة (CC) وتشمل اختصاصاته، التبريد التجاري وتكييف الهواء، ومركب مصلح في التبريد، ومركب الأسلاك الكهربائية، ومركب كهرباء البناء، ومجهز حراري وصحي، ونجار الومنيوم، ومساعد مركب مكيفات الهواء، ومساعد مركب كهرباء بناء، ومساعد مجهز حراري وصحي، مساعد نجار الومنيوم.
ويبلغ عدد المتربصين في التكوين 641 من بينهم نيجيريان في إطار الانفتاح على المحيط الافريقي ضمن استراتيجية وزارة الدفاع الوطني التي تهدف إلى إحداث قطب إقليمي تونسي للتعليم الجامعي والتكوين العسكري ينفتح على الدول الافريقية.
وفي مدرسة الاختصاصات الهندسية تتمثل مستويات التكوين في مؤهل الاختصاص عدد 3، ومؤهل الاختصاص عدد 2، وشهادة الاختصاص عدد 2، وشهادة الاختصاص عدد 1، بالإضافة إلى تربصات الحرائق وتربصات الرسكلة فيما تتمثل اختصاصاته في مسير أشغال، التسخين والتبريد، كهرباء بناء، ونجارة بناء، تصرف هندسة، بناء، ومجهز حراري وصحي ونجارة الألومنيوم، والحدادة.
ولا يمكن أن تزور الإدارة العامة للهندسة العسكرية دون أن تكتشف مخبر مواد البناء التجارب والتحاليل وكل الطرق التي تتم بها معاينة الرمل والخراسنة وعمق التربة الصالحة للبناء من أجل دراسة أنجع للمشاريع وللتدخلات سواء بالهدم أو البناء.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الإدارة العامة للهندسة العسكرية الزاخرة بالورشات والمخابر التي تخول لها التدخل التقني والعملياتي منفتحة على كل هياكل الدولة والمؤسسات الوطنية وتعمل معها في إطار الشراكات في بعض المشاريع.
هذه الإدارة التي تجول فيها فتعترضك معدات مجابهة الكوارث الطبيعية؛ الحرائق والثلوج اوالفيضانات.. كما تعترضك آليات فتح المسالك والهدم والبناء وتتفكر في عدد الحوادث التي حضرت فيها وعدد المشاريع التي أنجزتها وأشرفت عليها وساهمت فيها.
التوغل في ثنايا هذه الإدارة أشبه بدخول عالم سحري تغريك تفاصيله بالنبش فيها، تدخلها بروح الفضول وتخرج منها ممتلئا بالمعلومات خاصة في ما يتعلق بإنجازاتها لفائدة الهياكل الوطنية على غرار إنجاز مأوى للسيارات تحت أرضي بالقصبة سنة 1986 وتهيئة ساحة الحكومة 1991 وترميم مبانيَ ذات طابع تاريخي من بينها مبنى زاوية سيدي محرز 1998 و دار الاصرم 2003، وتهيئة مقرات بعض الوزارات على غرار وزارة المرأة 2007، وتهيئة مقبرة الشهداء ببنزرت والنصب التذكاري بالسيجومي 1984 ومقر ضريح الشهيد فرحات حشاد 2003.
وبالإضافة إلى تهيئة وبناء جسور وطرقات وفتح مسالك جبلية، عهدت إلى الإدارة تهيئة قاعة المؤتمرات بمناسبة القمة الافريقبة 1994، وتهيئة المركب الجامعي بالمنار بمناسبة المنتدى الاجتماعي العالمي 2013 ومصب الفضلات بطينة 2009/ 2010 وبعض مقرات سفارات تونس في الخارج، الجزائر 2006، وعمليات هدم على غرار هدم سجن 9 افريل.