أعطيت بأحد نزل مدينة سوسة صباح اليوم الخميس 13 جوان شارة انطلاق الدورة السادسة والعشرين لملتقى المبدعات العربيات وذلك بحضور وجوه نسائية بارزة تونسية وعربية وناشطة في مختلف الحقول الفكرية والأدبية والفنية. وقد تطارحت المبدعات خلال اليوم الأول مباحث فكرية إبداعية كالكتابة والفلسفة في علاقة بمفهوم المواطنة.
في افتتاح أشغال هذا الملتقى الدولي المنتظم بالتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسوسة اعتبرت فوز الطرابلسي رئيسة جمعية المبدعات العربيات بسوسة منظمة هذا الحدث الثقافي الهام أن موضوع المواطنة بات يحظى بأهمية متزايدة داخل الدول العربية خصوصا بعد اندلاع الثورات العربية أو ما بات يعرف بالربيع العربي خصوصا في ظل الاختلال الحاصل في الشعور العام بالمواطنة. ولوضع هذا الملتقى في إطاره العام طرحت رئيسة الملتقى العديد من التساؤلات التي ستبحث المحاضرات والمشاركات عن الاجابة عنها من ذلك “هل تمارس المبدعة العربية مواطنتها من خلال منجزها الابداعي؟ هل تسعى من خلال إبداعاتها لتكريس قيم المواطنة ومن تحويلها من نصوص مكتوبة الى واقع ملموس؟ هل تسعى لتعزيز التربية على المواطنة؟”. هذه الأسئلة وأسئلة كثيرة أخرى سيتم التطرق لها خلال أيام هذا الملتقى الذي يحمل اسم الشاعر الكبير محمد الغزي كعربون عرفان لما قدمه من جليل الخدمات الإبداعية للوطن.
“الأخواتية النسوية” لردعِ “الإخوانية الإسلامية”
واعتبرت الكاتبة والروائية أميرة غنيم في تعريفها لمفهوم المواطنة، من خلال الورقة العلمية التي أعدّتها لهذا الملتقى، أن المواطنة هي “عقد يجمع الفرد بالدولة على سبيل الانتماء بما يترتب على ذلك الانتماء نفسيا من مشاعر التعلق والحرص وما يترتب عليه قانونيا من واجبات كالولاء والدفاع ومن حقوق كالحماية والرعاية الصحية والعيش الكريم والتعليم وغيرها من الحقوق المدنية.” كما أن هذا العقد الذي تطرقت اليه صاحبة رواية “تراب سخون”عن دار النشر “ميسكيلياني” يربط أيضا “الفرد بسائر الأفراد المنتمين مثله الى نفس الدولة على سبيل التعايش بما يترتب عنه من احترام للحريات الفردية واللغوية والفكرية والعقائدية والجندرية في إطار المساواة”.
ومن خلال تنزيل هذا المفهوم في إطاره “الثوري” خصوصا في علاقة بما حدث في دول ما اصطلح عليه “الربيع العربي” او “الربيع الثوري” فقد اعتبرت الباحثة في اللسانيات أن ما حدث “أزرى بهذه الشروط بالنسبة الى كلا الجنسين. لكن الإزراء كان أوضح بالنسبة الى المواطنات من النساء اللواتي جُوبِهْن بتصاعد منسوب العنف ضدّهن وتكرر المحاولات الرامية الى إعادتهم الى ما قبل المواطنة”.
ولعل ما كان مفاجئا ربّما، لدى جل المشاركين في الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى السنوي هو اعتبار صاحبة “نازلة دار الأكابر” أن ما اصطلح على تسميته بـ”العشرية السوداء” التي اتسمت بحكم الإسلام السياسي في تونس لم يكن كذلك من منظور أميرة غنيم “في ما يتعلق بمنزلة النساء في المشهد العام”. ذلك أن المرأة التونسية تمكنت خلال السياق الثوري الذي رافق هذه الفترة والذي من المفترض أن يكون معرقلا لها على مسار المواطنة تمكنت من “اكتساح الفضاء العمومي لأول مرة م دون وصاية النظام القائم ومن خارج ما عُرِف استهجانا قبل الثورة بنسوية الدولة”.
وترى أميرة غنيم عضو اللجنة العلمية لهذا الملتقى أنه “وفي الوقت الذي توقع فيه المتابعون للشأن السياسي انكماش النساء وانكفاءهن عن الفضاء العام أمام تنامي العدائية الذكورية باسم الدين والدموية المنذرة بتكرر ما يعرف في الأدبيات النسوية بالظاهرة الجزائرية، كانت المواطنات يقُدْن الاحتجاجات عقب كل اغتيال سياسي ويكونّ الائتلافات لكسب المناصرة في الانتخابات للقوى التقدمية وينظّمن المسيرات ضد التعصّب وتقييد الحرّيات ويشاركن في الاعتصامات للحفاظ على مكاسب الدولة المدنية“.
ولعلّ ما تمخّض عن هذا المد الثوري النسوي خلال هذه الفترة المضطربة التي عاشتها بلادنا على وقع الفترة الانتقالية الممتدة على أكثر من عقد من الزمن ظهور “ما يشبه الأخواتية النسائية المحلية في مواجهة الإخوانية الإسلامية المعولمة وهي أخواتية بين الأكاديميات الباحثات في مجال الدراسات الجندرية والمدونات الشابات على وسائل التواصل الاجتماعي والمبدعات في مجال الفنون البصرية والكاتبات في المجال الأدبي والناشطات في المجتمع المدني”.
التفكير في المواطنة : “أمر محرج ومعقد وخطير”
لم تشذ الفيلسوفة والروائية والأديبة الدكتورة أم الزين بن شيخة في الجلسة العلمية الأولى التي أدارتها بكل تميز واقتدار الأستاذة مسعودة بوبكر عن القاعدة حيث اتسمت مداخلتها خلال الجلسة العلمية الأولى لهذا الملتقى بالدقّة وسلاسة التعبير وفصل الخطاب والحماسة. واعتبرت أم الزين بن شيخة خلال مداخلة لها بعنوان “في إبداع المواطنة أو كيف نسكن العالم تخييلا” أنّ “كل أشكال الإبداع قصيدة أو رواية أو سينما أو مسرح هي أفعال فلسفية لانتاج الحياة ولِمنْحِ الأمل حينما تعجز السياسات في منحنا هذا الأمل بينما تنجح في إغراقنا في الاحباط والفشل”. وعلى ذلك تعتبر أم الزين بن شيخة أن مسألة المواطنة هي مسألة رائدة لكنها “تعاني اليوم من أزمة عالمية حادة جدا. حيث تتساءل الروائية عن المعنى الحقيقي لمصطلح المواطنة في “عالم تتدمر فيه الأوطان وتتَشرد فيه الشعوب ويُسْحَقُ فيه البشر بالدبابات كما لو كانوا حشرات ويُسحَلون ويُدفَنون في مقابر جماعية”. في اشارة هنا الى ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة الأبية بفعل العدوان الصهيوني الغاشم الذي يرتكب ابشع المجازر وأكثرها دموية في تاريخ البشرية وسط صمت عربي مخز ودولي مُهين.
“كل أشكال الإبداع قصيدة أو رواية أو سينما أو مسرح هي أفعال فلسفية لانتاج الحياة ولِمنْحِ الأمل حينما تعجز السياسات في منحنا هذا الأمل بينما تنجح في إغراقنا في الاحباط والفشل”
المواطنة من منظور الفيلسوفة التي شغلت الناس بأفكارها المستنيرة وكتاباتها المتفرّدة هي “ورطة كبرى في وجه الإنسانية الحالية” وهو ما جعلها تدعو الى ضرورة التفكير في هذا المفهوم من جديد خصوصا في علاقة بالمجال الإبداعي والمجال النسوي. ذلك أن بن شيخة ترى أن هذه المسألة تنتمي الى باراديغم “الجمالي والسياسي” في علاقة بالدراسات النسوية. وتنطلق المُحاضِرة هنا في تفاعلها مع هذا الباراديغم من سؤال “كيف يمكن للمرأة المبدعة أن تخترع أوطانا أجمل حينما تنهار فكرة الوطن في قلوبنا ؟”. وعلى ذلك فالتفكير في مسألة المواطنة يبدو بالنسبة لأم الزين بن شيخة “أمرا محرجا ومعقدا وخطيرا في الآن ذاته”. ومأتى الاحراج هنا يكمن في أن “حرمان أيٍّ كان من حق المواطنة معناه اعتباره دون حالة البشر”. فالمواطنة من منظور الفيلسوفة هنا “ليس تميّزا ولا منّةً تُعطى لنا بل المواطنة هي حق بشري. فمن ليس مواطنا ليس بشرا، ومن لا يتمتع بحقوقه كاملة في الحياة والصحة والحرية والفكر والإبداع فقد تم انتهاك معنى الانسانية فيه.”
كما تعتبر أم الزين بن شيخة أن مكمن التعقيد في مفهوم المواطنة هو أنه “جوهر الفكر السياسي قديما وحديثا ومختَلَفٌ حوله في أنحاء عدّة فهو مفهوم خطير لأن وطنا لا يعترف بحقوق المواطَنة كاملة من ذلك حرية التعبير والتفكير والإعلام سرعان ما يتحوّل إلى اسطبل كبير لرعاية الماشية”.
“أي معنى حقيقي لمصطلح المواطنة في عالم تتدمر فيه الأوطان وتتَشرد فيه الشعوب ويُسْحَقُ فيه البشر بالدبابات كما لو كانوا حشرات ويُسحَلون ويُدفَنون في مقابر جماعية”
وفي جانب آخر من مداخلتها اعتبرت أم الزين بن شيخة أن المرأة المبدعة بوسعها اختراع نموذج من المواطنة الفنية مختلف تماما عن المفهوم التقليدي للمواطنة الذي تحتكره قوانين الدول. كما تعتبر الباحثة أنه من المهم بمكان تحرير المواطنة من اختزالها في مجرّد مسألة سياسية وجلبها الى المجال الإبداعي وتحرير فكرة الوطن وإخراج الخطاب النسوي من تقوقعه حول المعركة ضد الهيمنة الذكورية وتحرير النساء من نموذج الليبرالية الكولونيالية. ذلك أن الفن بمختلف تمظهراته يلعب بحسب الدكتورة بن شيخة “دورا أساسيا بوصفه فعلا مواطنيا لرسم الوطن على نحو مغاير وهذا يعني أن المواطنة فعل لا تنجزه القوانين الملزمة فقط بل تنجزه حرية الفنون الجذرية بما هي امكانية أنطولوجية لاختراع الأوطان وبالتالي عدم التخلي عن فكرة الوطن للمؤسسات السياسية”.
حق المرأة في المواطنة : مسار مليء بالتضحيات
وفي مقاربة تاريخية لمفهوم المواطنة تعتبر الدكتورة بن شيخة أن مفهوم المواطنة يعود تداوله الى اليونان القديم اين نشأت أولى النُّظم الديمقراطية ويعني “المشاركة في الشأن العام السياسي. وتخص هذه المشاركة كل الأشخاص الذين يمتلكون القدرة العقلية على إدارة شؤون الحياة المشتركة عبر النقاش واتخاذ القرارات الجماعية”. وتعرّج الباحثة هنا على الثورات الحديثة منها الفرنسية والانجليزية حيث تم “تنشيط مفهوم المواطنة حتى يعوّض مفهوم البورجوازية” حيث ظهر أول إعلان عالمي عن المواطنة بعد الثورة الفرنسية ( وإعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789) وقد أصدرته آنذاك الجمعية التأسيسية الوطنية. إعلان لاقى صدى كبيرا من الرائدة النسوية الفرنسية أوليمب دو غوج Olympe de Gouges كتبت سنة 1791 وكرد فعل عن “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” وحرمان المرأة من هذا الحق “إعلان حقوق المرأة والمواطنة”. كتاب كلّفها حياتها بعد أن نفّذ فيها حكم الإعدام سنة 1793. وبحسب المًحاضِرة التي عددت التجارب النسائية الرائدة في مجال الدفاع عن الحقوق السياسية وحق المواطَنة للمرأة خصوصا من قبل المناضلات العالميات على غرار الفيلسوفة والناشطة في حركة الاشتراكية الأوروبية روزا لوكسمبورغ (تم اغتيالها على خلفية أفكارها التحررية يوم 15 جانفي 1919)، فإنه ومنذ ذلك التاريخ “تم إعدام حقوق المرأة في المواطنة إلى حدود ما بعد الحرب العالمية الثانية عبر منح المرأة “الحق في المشاركة في المجال السياسي”. وقد بدأ هذا الانفتاح نحو منح الحرية السياسية للمرأة في المجال الأوروبي يأخذ أبعادا أشمل وصولا الى ما بات يعرف بحسب الدكتورة بن شيخة ب”المواطَنات الجديدة” في ثمانينات القرن الماضي “Les nouvelles citoyennetés”.
“إن حرمان أيٍّ كان من حق المواطنة معناه اعتباره دون حالة البشر”
وفي علاقة بـ”دلالة المواطنة الابداعية في أفق الجماليات النسوية” وهو المبحث الثاني الذي انبنت عليه مداخلة أم الزين بن شيخة، ترى صاحبة رواية “جرحى السماء” أن مفهوم الفن النسوي “ينتمي إلى باراديغم الجماليات النسوية الذي ظهر في سبعينيات القرن العشرين. حيث كان الرهان النسوي هو إعادة تنضيد المجال الجمالي من وجهة نظر نسوية ضد الاستطيقا الحديثة التي يعتبر فيها كانط أن مقاييس الجمال كونية ومحايدة ومستقلة عن مسائل الجندر والعرق والثقافة وغيرها.” وعلى عكس ذلك تقول المُحاضرة إن “الجماليات النسوية تعتبر أن الجنوسة في علاقة جوهرية مع المجال الإبداعي وهو بذلك تبعثر معايير الجماليات التقليدية وتضع موضع سؤال التمييز الجنسي بين فن نسائي وفن ذكوري”.
ومن هذا المنطلق ترى أم الزين بن شيخة أن المبدعات النسويات اتخذن من الفن مجالا للنضال ضد إقصاء المرأة من الحق في المواطنة الفنية. وهو مفهوم تطوّر تدريجيا مع تأسيس الاكاديمية الملكية لفنون الرسم والنحت سنة 1648 في فرنسا والذي شهد بداية نضال المرأة لنيل حقها في المواطنة الفنية وهو تاريخ مليء بالمطبات والمعاناة التي عاشتها المرأة من أجل الوصول الى حقها في المواطنة الفنية. نضالات تّوّجت في سبعينات القرن الماضي، بحسب الدكتورة بن شيخة، مع ظهور باراديغم “كتابة المؤنث” الذي كان نتاجا الموجة النسوية الثانية. وهو باراديغم يقوم على التساؤل حول “كيف يمكن للمرأة أن تكتب في صيغة المؤنث” وهو باراديغم ارتبط بالكاتبة والفيلسوفة لفرنسية هيلين سكسوس Hélène Cixous مؤسسة أول مركز للدراسات النسوية في أوروبا.
وفي ختام محاضرتها عرّجت الباحثة أم الزين بن شيخة على موضوع لطالما ظل في خانة المسكوت عنه وهو ما عبرت عنه بـ”تحرير المواطَنة الابداعية من الاستعمار الاستطيقي الذي تعاني منه منذ عقود من الزمن”. حيث يتعلٌ الأمر هنا “باستشكال ديكولونيالي لمسألة المواطنة الجمالية من جهة النسوية الديكولونيالية كشكل من النضال الإبداعي النسوي ضمن ما يسمى بأفق نسوية العالم الثالث”. ولتقديم هذا الإشكال في مختلف جوانبه المعقّدة طرحت المُحاضرة بعض الأسئلة الحارقة من قبيل : أية سياسة جمالية لأوطاننا يمكن أن تخترعها مخيلاتنا ؟ أي شكل من المواطنة الفنية كفيلة بمعاصرة شكل العالم الحالي المُثقَلِ معرفيا وابستمولوجيا وانطولوجيا بميتافيزيقا زرعها الغرب الاستعماري في قلوبنا وعقولنا ؟ وهل يمكن الخروج من جماليات الغرب ؟”. أسئلة كان الرد عليها سريعا من قبل الدكتورة أم الزين بن شيخة التي ترى أن الحل هو في “الاعتناء بحدائقنا والكتابة عن المبدعات اللاتي يعشن معنا ويكتبن همومنا وآلامنا والاحتفاء بالحياة الابداعية في بلادنا بدل المواصلة في اتباع باراديغم الجماليات الكولونيالية”.
“أنا أكتب إذن أنا مواطنة”
في قراءتها للفعل الإبداعي عند المرأة وبناء المواطنة، ترى الكاتبة والأستاذة بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة آمنة الرميلي أن “تاريخ المرأة مع الكتابة هو تاريخها مع تحقيق ذاتها وتحصيل مواطنتها وهو ما يمكن تبينه من خلال الإدراك النسوي بأن الكتابة وسيلة لتحقيق المساواة وبالتالي المواطنة”. ذلك أن المواطنة بحسب الروائية آمنة الرميلي تقوم على المساواة كإحدى الركائز المهمة باعتبار أن المواطنة في الأصل هي فعل مشاركة يتأسس على المساواة في الحقوق والواجبات.
“تاريخ المرأة مع الكتابة هو تاريخها مع تحقيق ذاتها وتحصيل مواطنتها وهو ما يمكن تبينه من خلال الإدراك النسوي بأن الكتابة وسيلة الى تحقيق المساواة وبالتالي المواطنة”
وفي معرض حديثها عن التجارب الكونية لنساء مبدعات في مجال الكتابة سعين للتحرر استندت المُحاضرة الى تجربة الكاتبة الفرنسية جورج ساند George Sand التي لطالما كانت تتخفى وراء هذا الاسم حتى لا يتم كشف اسمها الحقيقي بالنظر الى الحصار الذكوري الذي كان مضروبا على الإبداع النسائي في فن الكتابة وهو ما كان يعرف بـ”اسم القلم”. وتعتبر هذه التجربة احدى التجارب الكثيرة في تاريخ الكتابة النسائية “القائمة على الملاعبة المسماة اسم القلم”. وعلى ذلك ترى الباحثة آمنة الرميلي “أن الكتابة ليست فقط وجها من وجوه المواطنة والمساواة وإنما هي أيضا وجه من وجوه التحرر وهي مسلك تحرري بالأساس”.
واستدلالا بتجارب عربية في مجال الإبداع الأدبي والمواطنة عرضت صاحبة رواية “توجان” تجربة الكاتبة المصرية المثيرة للجدل نوال السعداوي التي “تعتبر قلم المساواة والمواطنة من خلال المواجهة التي قادتها داخل مجتمع عربي واسلامي تستند فيه قوانين الذكورة إلى الدين وتوضع موضع المقدس”.
ويعتبر كتاب “المرأة والجنس” لنوال السعداوي بحسب الدكتورة الرميلي، “علامة فاصلة في تاريخ الحركة النسائية العربية”. ذلك أن نوال السعداوي “افتتحت مرحلة أن تقول المرأة وتكتب ما دأب الرجال على قوله وكتابته”. وهذا ما يحيلنا الى النزوع نحو مبدأ المساواة وهي طريق نحو المواطنة.
وعلى ذلك ترى الباحثة أن كتابة المرأة “هي ذاتيتها ورؤيتها وتصوراتها المختلفة بالضرورة عن رؤية الرجل وتصوراته”. ولذلك فإن الكتابة بإمكانها تضع المرأة في أكثر من كوجيتو مثل “أنا أكتب إذن أنا موجودة” أو “أنا أكتب إذن أنا مواطنة” أو “أنا أكتب إذن أنا حرة”. وعليه فإن كل كوجيتو في نظر الدكتورة الرميلي هو “مشروع تحرر فكري واجتماعي ورمزي خاصة”. وكتابة المرأة هي “أفق خاص بها وعلينا اعتبار ان كتابة المرأة هي نصيبها من الإسهام في بناء المشروع الثقافي” كما أن هذه الكتابات ما فتئت “تلعب دورا في تطوير الحركة النسوية والمرور بها من حالة التخبط في قضية الدونية إلى الدفاع عن قضية المساواة اي المرور من الوضع الجنسي إلى الوضع الجندري”.
“ان الكتابة ليست فقط وجها من وجوه المواطنة والمساواة وإنما هي أيضا وجه من وجوه التحرر وهي مسلك تحرري بالأساس”
وخلصت المُحاضرة في ختام تدخلها الى أن “الكتابة النائية هي إمكانية خلاص من تعاليم سلطة القارئ المسبقة أو المتوقعة. فالخلاص في الكتابة أو اللغة هو دليل خلاص ذهني ونفسي من كل صنوف التدجين والحصار والفرز على أساس غير مواطني. فامتلاك الكتابة هو امتلاك حق الوجود الفاعل حتى لا تكون المرأة عابرة في الزمن أو في التاريخ” فالكتابة من منظور الروائية أميرة غنيم “هي طريقة البقاء الأعظم في ذاكرة الزمن و الأداة الأقوى في مقاومة الفناء” فبالكتابة تواجه المرأة نوعين من الفناء “الفناء الطبيعي الذي تشترك فيه مع الرجل والفناء الاجتماعي الذي تحمل وحدها وزره”.
تجدر الاشارة الى أن فعاليات هذا الملتقى الفكري ستتواصل إلى حدود يوم 15 جوان حيث سيتم تنظيم ورشات تكوينية في المسرح والسينما والكوريغرافيا وأنشطة أخرى موازية كمعارض الفن التشكيلي بالإضافة إلى سهرات فنية.