بقلم رانية الحمامي (روائية)
أصدر هذه الأيام للصحفي الدكتور الصحراوي قمعون كتابا يفكّك شفرة حرب الإعلام في المقاومة الفلسطينية وهو بعنوان “فلسطين وحروب التضليل الإعلامي” .
هذا الكتاب يعالج الجانب الإعلامي لأكثر القضايا المؤثرة في عالمنا المعاصر، وهي القضية الفلسطينية والصراع المستمر الذي يحيط بها والمقاومة المتواصلة من أجل الحرية، ويبرز دور الإعلام الحاسم في هذا الصراع ليصبح عنصرا استراتيجيا أساسيا في حرب المقاومة.
و تسلط فصول الكتاب الضوء على الخلفية التاريخية للقضية الفلسطينية، فيتضح عبر السرد لمعطيات اعلامية سياق الصراع والتطورات الرئيسية التي شهدتها فلسطين خلال العقود الماضية. وهو سياق تاريخي ضروري لفهم الأبعاد العميقة للسياسات المتبعة والتضليل الممنهج وكيف أن الإعلام هو ساحة أخرى للحرب حيث يتم توظيفه لنشر معلومات مضللة تشكل الرأي العام بطرق تخدم مصالح معينة عبر تقنيات تم إدراجها في الكتاب. كما قدم نماذج مشابهة للإعلام المُضَلِّل والمُوجِّه من خلال تقديم دور الإعلام في حركات المقاومة كفترة احتلال تونس وحرب الخليج. وقدّم شخصيات تناقلها الرأي العام ساهمت في تعرية التضليل الممنهج مثل ياسر عرفات ووائل الدحدوح ومحمد الدرّة وعهد التميمي.
يقدم الدكتور الصحراوي قمعون في كتابه تحليلًا دقيقًا وموثقًا لأساليب التضليل الإعلامي التي تستخدمها الأطراف المتداخلة في هذه الحرب والرقابة اللصيقة التي استمرت لعقود لتبعث في الأذهان صورة المستعمر الذي لا يهزم وذلك من خلال أمثلة حية، فيكشف كيف أن الإعلام هو أداة قوية تستخدم لإبادة الشعوب او تحريرها وكيف تم توظيفه لعقود لقمع الفلسطينيين واحتلال أراضيهم.
ليصل بنا في سلاسة وجمالية الى ديناميكية الاعلام الحديث والحر الذي ينقل المعلومة عبر “صحافة المواطنة” و” صحافة الانسانية” ومن خلال الوسائل الحديثة لوسائل التواصل الاجتماعي وعدة أشكال متجددة لكشف التضليل والحقائق التي يعتّم عليها الإعلام الموجه المتواطئ والذي تتلاعب به القوى العدوانية ، مما ساهم في سقوط السردية الإعلامية المضللة لإسرائيل . كما أبرز الكتاب تأثير الإعلام الحر والمتجدد في المجتمعات الحرة والمجتمع المدني والإنساني فتطرق الى التحركات المساندة عبر العالم للفلسطينيين والى تظاهرة “كُتَّاب يتضامنون مع فلسطين” التي دارت بمدينة سوسة خلال نوفمبر وديسمبر 2023، وتطرق الى تأثير الإعلام المقاوم في المجتمع الدولي الذي ساند الشعب الفلسطيني ضد الإبادة الجماعية التي تعرض لها أمام محكمة العدل الدولية. وبيّنَ الكاتب أنّ الإعلام البديل والمنصات الحديثة لعبت دورا هاما خلال حرب المقاومة الاخيرة ضد الابادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لاعتمادها الاستقلالية والنقل المباشر للأحداث ( صور، فيديوات..) والنزاهة لتكون الصورة المقدمة صادقة وحقيقية عن الأحداث، ففضحت الأكاذيب وقدمت وعيا جماعيا في كل العالم الذي صار مفتوحا عبر الشبكة العنكبوتية التي تتنقل فيه المعلومة في وقت قصير جدا الى ملايين الاشخاص ، فكان لها تأثير على الرأي العام ومسار المقاومة والسياسات الدولية داحضة المعلومات المنحازة.
ما يميز هذا الكتاب هو توازنه بين التحليل والتوثيق، حيث يقدم للقارئ أدوات تمكّنه من فهم كيفية عمل التضليل الإعلامي وكيفية التصدي له من ناحية ويمكن من التأريخ والتوثيق لأحداث دقيقة من ناحية أخرى. كما يدفع للتفكير النقدي والتحليل الواعي لما يُعرض في وسائل الإعلام، ويحث على التحقق من المصادر والتأكد من مصداقية المعلومات والتحاليل.
يختم الكاتب بقراءة مستجدة وايجابية للوضع العالمي المتغير المتحول الذي يتجه نحو العدالة وتعدد الأقطاب. ويمكّن هذا الكتاب القارئَ العادي كما الاعلامي من الاطلاع على الخلفية الإعلامية للقضية الفلسطينية التي سادها التضليل والرقابة والانتقال الى حقيقة فرضها الإعلام البديل. كما يعطي كتاب “فلسطين وحروب التضليل” الفرصة للاطلاع على دور الثقافة في مقاومة الاحتلال والتي تشكل مع إعلام المقاومة والمواطنة تكاملا لإنارة الرأي العام في القضايا المحررة للشعوب.
إن كتاب “فلسطين وحروب التضليل الإعلامي” للدكتور الصحراوي قمعون هو عمل مهم يسلط الضوء على جانب قلَّما يتم التطرق إليه بشكل مُفَصَّل في الأدبيات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. فهو إضافة قيّمة للمكتبة العربية ولجميع المهتمين بفهم الدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في الصراعات المعاصرة وفي حركات التحرير والمقاومة.