شرعت هيئة الدائرة الجنائية المختصة في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، في النظر في قضية “البايات” المتضرر فيها كل من محمد أمين باي وزوجته جنينة بوعزيز وصهره محمد الشاذلي بن سالم وسعيد بن محمد الشاذلي ونور الدين بن محمد باي وسلوى الحسيني وسلمى باي. وشملت الأبحاث في القضية المنسوب إليه الانتهاك إدريس قيقة.
وقد قررت النيابة العمومية تأجيل المحاكمة في الجلسة التي حضرتها حفيدات بعض البدايات، وذلك لعدم اكتمال النصاب القانوني للهيئة.
يذكر ان حفيدة محمد الأمين باي و ابنة محمد بن الشاذلي بن سالم “شهر” حمادي بن سالم، ذكرت بأن والدها كان طبيبا مختصا في الأمراض الصدرية حتى قبل زواجه بوالدتها المرحومة زكية ابنة محمد الأمين باي وكان ذا شهرة كبيرة ومحبوبا من متساكني منطقة باردو أين كانت له عيادة يباشر فيها عمله، كما أنه كان من أسرة ميسورة وله أرزاق عقارية ومنقولة بالمكان وبعد زواجه من والدتها أقاما بمنزل بجهة باردو وكانوا يتحولون خلال فصل الصيف للإقامة بمنزل مخصص لهم متفرع عن قصر قرطاج حيث كان يقيم الباي محمد الأمين باي.
وأضافت أن والدها شغل وظيفة وزير للصحة خلال فترة حكم المرحوم محمد الأمين باي وكان من مؤسسي جمعية الملعب التونسي كما أن والدتها أسست بدورها جمعية تعرف باسم “قطرة الحليب” وكانت متخصصة في مساعدة النساء المعوزات غير القادرات على توفير الحليب والقوت لأولادهن وكانت والدتها محبوبة من الأهالي وكانوا يطلقون عليها صفة الشعبية، مؤكدة أن والديها كانا يتمتعان بحس وطني كبير وقد ربيا أبناءهما على حب تونس والولاء لها.
وأضافت الشاهدة انه حوالي سنة 1950 عمد “الجندرمة” الفرنسيون إلى اعتقال والدها وجميع وزراء محمد الأمين باي ونقلوهم الى جزيرة جربة بدعوى عدم تعاونهم وعدم امتثالهم لطلبات ورغبات المقيم العام الفرنسي، وأخضعوهم للإقامة الجبرية، وبعد حوالي 40 يوما سمحوا للعائلة بزيارتهم ودامت فترة الإقامة الجبرية حوالي شهرين.
وأضافت أنه عند إعلان الجمهورية بتاريخ 25 جويلية 1957 كانوا بقصر قرطاج حين عاينوا تحركات غير عادية ومحاصرة للقصر من قبل أعوان الأمن التونسيين، علما وأنه قبل أسبوع من ذلك صدرت لهم وللباي محمد الأمين ولكافة العائلة المصغرة أوامر بعدم مغادرة القصر وعدم تلقي الزيارات من أي كان.
وعند منتصف نهار ذلك اليوم أو بعده بقليل تم إيقاف والدها المرحوم محمد بن الشاذلي بن سالم ومحمد الأمين باي وأبنائه محمد الشاذلي وصلاح ومحمد وكذلك زوجته المرحومة جنينة دون إعلامهم بموجب ذلك ولا بالمكان الذي سينقلون إليه وقد مكثت هي ووالدتها وأشقاؤها (روضة ومراد وهيكل وسليم وثريا) لمدة ثلاثة أو أربعة أيام لا يعرفون مكان وجود والدها.
وأضافت الشاهدة أنها وبعد الفترة المذكورة طلبت منهم والدتها لمرحومة زكية الاستعداد لمغادرة مقر إقامتهم بقصر قرطاج لكنهم فوجئوا بأعوان الأمن وعلمت بالسماع انه كان على رأسهم المنسوب له الاتهام إدريس قيقة، يمنعونهم من المغادرة عبر الباب الرئيسي لمقر إقامتهم والمغادرة عن طريق الباب الخلفي في محاولة منهم لإهانتهم، إذ ذكروا لهم بأنهم ليسوا أهلا للمغادرة عبر الباب الرئيسي كما أن احدهم عمد إلى نزع خاتم من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة من احد أصابع والدتها وغادروا إثر ذلك المنزل محملين بكمية قليلة من الملابس لا غير واستقبلهم عمها مصطفى بن سالم بمنزله بباردو لمدة خمسة أيام ثم اعتذر لهم عن ذلك بخوفه من ردة فعل الحبيب بورقيبة، فاستقبلهم أحد أصدقاء والدها المدعو بن عاشور بمنزله بباردو، مشيرة إلى أن عائلتها كانت حينها في حالة خصاصة علاوة عن خوف الناس من التحدث إليهم فكانوا يعيشون في عزلة.
رحلة التعذيب..
وأكدت أنه في بادئ الأمر تم نقل والدها ومحمد الأمين باي وأبنائه إلى مقر الباي بسكرة ثم علمت أنه تم نقل والدها المرحوم محمد بن الشاذلي بن سالم إلى سجن الهوارب بالقيروان أين حاول الفرار وكان ذلك سببا ليعمد عمر شاشية والي القيروان إلى إخضاعه لعمليات تعذيب وتهديد بالقتل وقد مكث بسجن الهوارب لفترة لا تحددها تتراوح بين الشهرين والثلاثة أشهر لم يتمكن خلالها أي من أفراد العائلة من زيارته، وفق قولها.
وتابعت بالقول “ثم نقل إلى سجن 9 أفريل بالعاصمة حيث تمكنت وأشقاءَها بمعية والدتها من زيارته حيث بدا لهم هزيلا وتظهر عليه علامات التعذيب علاوة على كونه أعلمهم بأنه أودع بغرفة مع المحكوم عليهم بالإعدام وكان يتلقى بين الفترة والأخرى إعلاما بأنه سيتم إعدامه إضافة إلى منعه من مخالطة بقية المسجونين.
وإضافة إلى المعاناة التي كان يعيشها والدها فان ذلك شمل كذلك أفراد العائلة حيث كانت وشقيقتها روضة تدرسان بمعهد كارنو وكان هناك أستاذ تربية إسلامية يسيء معاملتهما حيث نعتهما بـ”بنات الكلاب” وكان يجبرهما دون بقية التلاميذ على الوقوف وترديد النشيد الوطني بصوت مرتفع كما أنه كان يذكرهما بإجراء تم اتخاذه فعلا ضد عائلة الباي جعلهم ممنوعين من التمتع بامتياز المواطنة لمدة خمس سنوات.