إلى مسرح مهرجان الحمامات الدولي تهافت جمهور غفير ينتظر لقاء حالة فنية غير قابلة للاستنساخ، الديفا أمينة فاخت التي حافظت على رصيدها الجماهيري رغم قلة إنتاجها ورغم وصلات الغياب.
بعفويتها اللامتناهية وأسلوبها الذي تغلب عليه روح الدعابة وروحها التي تطغى على أدائها سواء تعلق الأمر بأغانيها أو الاستعادات وإحساسها الذي يميزها عن غيرها، رسمت ملامح سهرة تشبهها.
والمتأمل في تفاصيل السهرة سيلاحظ أن صوت الديفا لم يكن في كامل أوجه إلى جانب مشاكل في التنفس ظهرت واضحة خاصة وأنها من بين الفنانات اللاتي يجدن تمطيط الجمل الموسيقية دون أن تتسرب منها أنفاس مربكة.
طيلة العرض حاولت أمينة فاخت عبثا الانضباط للفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو يوسف بالهاني، وكان تمردها العفوي عنوان السهرة التي تخللتها الطرائف والأحاديث مع الجمهور.
قد يقال الكثير عن عرض الديفا بخصوص صوتها الذي تبدو عليه أمائر الوهن في بعض المواضع ولكن ذلك لا ينفي حفاظها على نفس الروح التي توشح حضورها وتعزز روابط المحبة مع جمهورها.
مجنونة، تلقائية، ومتمردة، ومتحررة على الركح تشارك أمينة جمهورها الغناء والحديث وتختبر محبته في أكثر من مناسبة ولولا منسوب المحبة المرتفع لاستاء بعض من الجمهور لأنها غادرت المسرح فجأة ولم تودعه.
استياء فئة من الجمهور من أمينة التي لم تودعه كما انتظر مشروع ولكن الملم ببعض تفاصيل شخصيتها يعي جدا أنها لا تنضبط لمسار معين في حفلاتها ولا تخضع للضوابط وللقواعد.
والمتابع لسهرة الديفا سيلحظ حتما أن نسقها لم يكن خطيا مسترسلا في علاقة بتفاعل الجمهور في محاكاة لأداء الديفا إذ يشهد المسرح أحيانا حالة من التوهج وأحيانا أخرى حالة من البرود.
ورغم الهنات التي تظهر في تفاصيل هذه السهرة إلا أنها تبقى استثنائية في وجود الديفا نفسها التي تغنت بتونس دون موسيقى قائلة “أنا تونس وما أفارق أراضيها بساط الريح انا الخضراء وروحي أنا متعلقة بها”.
هذه الكلمات تختزل مسارها الفني الذي تشكل في تونس ويتواصل في تونس التي وهبتها جمهورا يحب عفويتها وجنونها على الركح ويردد أغانيها القديمة عن ظهر قلب.
مع أغنية “يما حمامي هرب” من الفلكلور المصري رافقت الموسيقى التي أوجدها موسيقيون بقيادة المايسترو يوسف بالهاني صوت أمينة فاخت فتحلت الاستعادة بروح أخرى على إيقاع أدائها والتوزيع الجديد.
“ولا غيرك” و “اسألوا قلبي” غنت وكان لها الجمهور بمثابة الكورال الذي استبطن أسلوبها وهي التي تتلون على الركح صوتا وأداء وإحساسا وتطعم الغناء بصولات من الحديث.
وكان لجمهور مهرجان الحمامات موعد مع أغنية “انت توعد” من كلمات الحبيب محنوش وألحان أحمد الماجري وهي إصدار جديد بريتم سريع تمكنت الديفا من مجاراته بمساحاتها الصوتية غير المحدودة وبأدائها الذي لا يخضع لقيود.
على امتداد الركح تتحرك وتوزع نظراتها وابتساماتها بالتساوي بين الجمهور الذي ما انفكت تتغزل به وتخاطبه بين الأغنية والأخرى وتشارك معه قصصا وطرائف قبل أن تسترسل في الغناء من جديد.
“على الله” و”سلطان حبك” و”عالماشينة” أغان علقت في ذاكرة جمهور الديفا التي تمسرح الكلمات على طاقتها وتخلق بأسلوبها عنصر الفرجة على الركح وتشد الجمهور إلى كل تفاصيلها.
كوكتال من الاستعادات أهدته الفنانة أمينة فاخت لجمهورها واستحضرت شادية واسمهان وملحم بركات وفريد الأطرش بأغاني “يا حسن يا خولي الجنينة” و ” يا ريس” و”ولا مرة كنا سوى””يا بدع الورد” هلت ليالي حلوة وهنية”و”حبيب العمر”.
سهرة أخرى من سهرات مهرجان الحمامات الدولي تستحضر التراجيديا المتواصلة في قطاع غزة من خلال ترديد الكلمات التالية
“إقرع طبول الحرب.. وأبسط أرضها.. طيرا أبابيلا ولا ولن تنحني.. لعيونها أبصرت كونا ثائرا.. لعيونها أبصرت كونا ينحني” فيما ردد الجمهور بطلب منها “غزة”.