آسيا توايتي
إنَّ العملية الانتخابية تحكمها مجموعة من القواعد بما في ذلك كيفية تنفيذها وإدارتها ومراقبتها والإعلان عن النتائج. و هي عملية رسمية لاختيار من سيتولى منصبا رسميا ومن يعبر عن طموحات الأفراد ولها العديد من التعريفات السياسية والقانونية في نظريات علم السياسية ولكنها بالنهاية عملية مهمة في الانتقالات الديمقراطية في كافة البلدان بما في ذلك تونس.
بمعنى أن نتائج الانتخابات تتطلب احترامها من قبل المجموعة وخاصة احترام من لم يتحصلوا على نسبة مائوية مهمة و أيا تكن نسب المشاركة فإن النتيجة التي تعلمها الهيئة المكلفة بإدارة العملية الانتخابية بعد عملية الفرز وجب احترامها والتشكيك فيها مسموحا لكن لا يجب السخرية منها.
أهمية المشاركة في الانتخابات لمحو الأمية السياسية
إن بناء دولة مدنية بمفهومها الحديث يتطلب المشاركة الجماعية وهذه المشاركة مهمة جدا لمحو الأمية السياسية عبر التعرف على أدوات الممارسة السياسية بكافةِ مراحلها وأسسها ومكوناتها، عن كثب.
علينا على الأقل أن نفهم ما يجري في المشهد السياسي: تنافسَ في العملية الانتخابية بتونس ثلاثُ شخصيات وهم رئيس الجمهورية وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد ورئيس حركة عازمون الذي يقبع بالسجن بتهمة تزوير التزكيات والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي وفاز سعيد الذي اتُّهِم بتصفية منافسيه بنسبة مائوية فاقت 90 بالمائة بعد مشاركة بلغت 28 بالمائة، تعد الأدنى مقارنة بالمحطات الانتخابية الرئاسية منذ سنة 2011، غير أن هذه النسبة تبدوُ مقبولة بالنظر إلى عامل فقدان التونسي ثقته بالأفراد المكوِّنة للمشهد السياسي وفي الأحزاب السياسية وذلك اعتبارا لعدة عوامل منها ما هو شخصي ومنها ما يتصل بالوعود السياسية التي اعتبرتها المكونات السياسية متكررة ولا تأتي أكُلها فالشعب الذي قام بالثورة في ديسمبر عقب وفاة عامل أصيل ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم يعد يكتفي بالحديث عن قفة المواطن و غلاء الأسعار وفقدان المواد الأساسية (الذي تكررفي عهد سعيد) بل أصبحت له رهانات اقتصادية واجتماعية أهم وهي استقرار الأوضاع وتحقيق المطالب الاجتماعية و الاقتصادية.
لماذا توقع المجتمع السياسي فوز سعيد ؟
سلطة الرئيس في أي بلد أو أي نظام سياسي، طبعا حسب شكل النظام، تبلغ درجة تمكنه من الحيازة على أدوات العملية السياسية وعلى تسييرها كيفما استطاع و بقدر ما أمكن له ذلك. إما بشكل يجعله يبدو في نظر مراقبيه “دكتاتورا” أو بشكلٍ يجعله يوصَفُ في نظر مريديه بــــ”المتمكِّن” من أدوات السياسة و”الفاهمِ” لمطبّات الفساد فيها ولكلٍّ تحليله في هذا الصدد.
وعند تمكين الماسِك بزمام السلطة منها وتمكينه بدوره للشعب من “تقرير المصير” يمكن لهؤلاء الطرفين أن يحددا مسارهما الانتخابي والسياسي. وهو ما حصل في تونس فأستاذ القانون الدستوري مكّن الشعب من التعبير عن شعوره بالغبن وتضرره من الفساد المالي إزاء عدد من مكونات وأفراد المجتمع الاقتصادي والشعب بدوره مكنه من استعمال أدوات السلطة “لمحاسبة” هؤلاء، لذا فقد كانت الثقة متبادلة بين شق كبير من المجتمع التونسي وبين الرئيس الحالي الفائز بعهدة ثانية. وحتى خصوم قيس سعيد توقعوا فوزه ولم يبدوا الكثير من المعارضة ولا الجهد في خدمة حملاتهم الانتخابية والدليل على ذلك ضعف النتائج بالنسبة للمتنافسيْن زهير المغزاوي و العياشي الزمال وبالنهاية منافسة وليست حربا.
ربما حاول أنصار عياشي الزمال بوصفه سجينا أن “يثأروا” له و بذلوا قصارى الجهد لتمكينه من السلطة وأدواتها وحاولوا التعبير عن استيائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن أنصار ومريدي أمين عام حركة الشعب لم يبدوا الكثير من الجهد في حملته وهو ما يفسر التفوق النسبي للزمال على المغزاوي.
استطاع سعيد عبر القول إن “الشعب يريد” وهو مصطلح يشير إلى إرادة الشعب وحقه في تقرير مصيره وأصل المعنى من الإرادة العامة كمصطلح مشهور في الفلسفة السياسية لدى جون جاك روسو، إذا أرجعناه إلى القانون الدولي فهو “الحق في تقرير المصير” بمعنى الحق في اختيار شكل الحكم وتحديد المسارات السياسية التي يراها الشعب مناسبة له. وبذلك استطاع سعيد الفوز بعهدة ثانية في انتخابات 6 أكتوبر 2024.
رهانات ما بعد الفوز في الانتخابات
يعتبر شق كبير من المراقبين أن قيس سعيد اكتسب “جرأة” جعلته يفتح ملفات الفساد في العديد من القطاعات منذ توليه السلطة وكان في كل خطاب سياسي له يشير إلى حربه ضد الفساد وفي عديد المناسبات مُهدِّدا بتعقُّبِ مرتكبيه وهو ما أكسبه إجماعا من قبل عدد من الأفراد السياسية بكونه “نظيف اليد”. غير أن المرحلة التالية لفوزه في انتخابات 2024 تتطلب الجدية إزاء العديد من الرهانات الأخرى التي لا تتلخص فقط في مقاومة الفساد بل في رهانات اقتصادية واجتماعية منها استكمال المشاريع المعطلة وتغيير ترسانة القوانين التي تقف حائلا دون تحريك مسار الاستثمار ونمو الاقتصاد في تونس بما في ذلك مراجعة مجلة الصرف ومجلة الاستثمار والمجلة التجارية وشروط الشراكة بين القطاعين العام والخاص… إلى غير ذلك من الملفات الملحَّة.