القاهرة/رياليتي أون لاين_ من مخيم قلنديا إلى بيت لحم ومنها إلى القدس القديمة فحيفاء تأخذنا كاميرا المخرج رشيد مشهراوي في رحلة ظاهرها بحث عن حمامة ضائعة وباطنها بحث عن السلام وتجذر في الهوية وانغماس في تفاصيل وطن مازال يقاوم رغم كل شيء..
“أحلام عابرة ” الءي تم عرضه في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والأربعين عنوان الرحلة التي توغل في قلب الوجع الفلسطيني دون حاجة إلى أصوات صافرات الإنذار ودوي القصف والقنابل ولعلعة الرصاص وسيول الدماء والركام، رحلة تستمد اختلافها من الكوميديا التي ترشح وجعا.
وعلى شاعريته يبدو العنوان في الوهلة الاولى مستفزا فلفظ “أحلام” بما يحويه من شاعرية لا يستوي مع الزوال الذي يقترن بلفظ “عابرة” ولكن مع تدفق الحكي في الفيلم تُيقن أن كل الأحلام عابرة أمام حلم تحرر فلسطين من النهر إلى البحر.
على شاكلة العنوان تتخذ الصورة بعدا جماليا وشاعريا لا يشوبه إلا حواجز التفتيش المضنية والمرور العابر لبعض جنود الاحتلال المستوطنين وتعاضدها الموسيقى التي استنطقت الطبيعة وطمست أثر الهمجية الصهيونية.
بعيدا عن كل الصور والمشاهد التي أدمت القلوب يحكي رشيد مشهراوي التراجيديا عبر نفس كوميدي يبوح بآثار الاحتلال على الفلسطينيين دون حذلقة ومبالغة وترصد كاميراه جماليات المعمار والطبيعة وتفاصيل أخرى راسخة في الهوية.
الوطن، الهوية، الإنسانية تيمات تجلت في “أحلام عابرة” فيلم الطريق الذي يسطّر رحلة البحث عن حمامة ضائعة اختارها الصبي “سامي” رفيقة وأنيسة وهي هدية من خاله لكنها اختارت أن تغادري دون إيذان.
الطفل ذو الاثني عشر ربيعا لم يرض برحيل حمامته واقتفى أثر قناعة راسخة في ذهنه بأنها عادت إلى موطنها الأصلي لينبري في رحلة ما كانت لتكون لولا هذه الحادثة التي حنلتنا في رحلة إلى داخل فلسطين وداخل الفلسطيني.
“سامي” الذي نشأ في المخيم لم يتوان لحظة عن قرار بدء رحلة البحث بما قد تحمله من مخاطر، ليحاكي كل فلسطيني يبحث عن سلام أرضه بكل ما أوتي من مقاومة وتحاكي الحمامة السلام المنشود.
في مستهل الرحلة اختار الفتى رفيقا لكنه تركه في مشهدية تجسد على بساطتها كل الخيانات والتواطؤ والصمت والخضوع إلا أنه وجد رفاقا آخرين حتى صار في مأمن مع خاله وابنته التي تتدرب على مهنة الصحافة.
رمزيات ودلالات كثيرة تناثرت في مشاهد الفيلم دون إمعان في المباشرتية ولكن إمعان في تشريح الواقع المتشعب والمعقد في ثنايا الأراضي الفلسطينية وسط سطوة الاحتلال الذي لم يظهر سوى طيفه في الفيلم غير أنه أثقل النظرات والابتسامات.
حاملا قفص الحمامة في يده ومتدثرا بخاله وابنته يقاوم “سامي” من أجل فكرة العثور على صديقته التي جمعته بها علاقة تمتد فقط على أسبوع ولم يطق فراقها لثلاثة أيام حتى صار القفص رمادا بعد أن طاله طيف الاحتلال.
وإن كان الفيلم لم يظهر غطرسة الاحتلال وعنجهيته وغطرسته إلا أنه أظهر جوره وظلمه الذي يفضي إلى تفجير بيت حمامة يحاول طفل أن يبقيه آمنا حتى عودة صاحبته التي لم نرها في نهاية الفيلم ولكننا استشعرنا رفرفة روحها.
والفيلم، امتداد للسينما الفلسطينية تم تصويره قبل أحداث 7 أكتوبر دون تصريح بالتصوير من قبل الاحتلال حتى لا يكون ذلك اعترافا بشرعيته، وفق حديث مخرجه رشيد مشهراوي الذي خير التعامل مع صعوبات التصوير.
وفيه توليفة من القضايا الاجتماعية والإنسانية وعين على مهنة الصحافة التي تروي قصصا حقيقية بعيدا عن التزييف والروايات المغلوطة التي تخدم العدو، من زوايا عاطفية بحتة ترج داخلك وتسندك في الآن ذاته.
الفيلم من بطولة عادل أبو عياش، وإميليا ماسو، وأشرف برهوم، موسيقى جوهان كورتيت، وتصوير دريد منجم، وفيه بدت الشخصيات واقعية وعفوية حتى بدا وكأنه فيلم تسجيلي.
وما عزز شعور أن الفيلم تسجيلي بعض اللقطات التي تحيل إلى وجود صعوبة في التصوير يجعل الكاميرا تحتال لالتقاطها ولكن جمالية الأماكن وبوح الوجوه بما يعتري القلوب يجعل من الأمر تفصيلا تتجاوزه وأنت تلاحق الحمامة مع “سامي”.
الحمامة تردد اسمها كثيرا في الفيلم ولكننا لم نرها في النهاية المفتوحة التي اختارها مشهراوي وأعلنها في منتصف طريق بين لقاء منتظر بين شقيفين فرقهما الاحتلال وبين “سامي” والحمامة”، نهاية تترك لك حرية الانتصار لفلسطين.