“ناقة”، الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج مشعل الجاسر الذي ماعاد فيه الوقت مذكرا حينما أحكمت “سارة” (أضواء بدر) الشخصية الرئيسية قبضتها عليه في ذروة صراعها مع الناقة ومع كل شيء من حولها.
شخصية نسائية مختلفة تجمع بين الرقة والتمرد وترتبط ارتباطات وثيقة مع الناقة التي اعترضت سبيلها ذات صدفة فصارتا انعكاسا وامتداظ لبعضهما البعض، فكلتاهما تخوضان حربا مع وتحاولان الانتقام من شيء ما
هذا الارتباط بين المرأة والناقة في الفيلم يضيء الحروب التي تعيشها الأنثى في هذا العالم امتدادا من داخلها إلى عالمها الخارجي الذي تواجهه كلما أتيحت الفرصة لرسم ملامح الصورة التي تريدها لنفسها.
فسارة الفتاة المغامرة المجازفة تخضع الوقت لسلطتها حينما يتعلق الأمر بالتزامها تجاه والدها وتبتكر ألف حيلة وحياة لتنجو من ملاحقات الناقة لترتطم في كل مرة بورطة جديدة تضيء قضايا بعينها.
في مستهل الفيلم يضع المخرج المشاهد في مواجهة شخصيات يكتنفها شيء من الغموض مع مشهد أول تعلو فيه طلقات الرصاص لتحيل إلى الرجعيات والتعصب والتزمت وتثير التساؤلات عن مسار الأحداث فيما بعد.
يتلاشى صوت الرصاص ويحول المخرج الكاميرا إلى زاوية أخرى تطل على مشهد الموت المربك من بعيد، تنهل منه دون سلخ أو التصاق وتستحضره في بعض المشاهد التي تكسر مسار الإيغال في دواخل الشخصيات.
فالمشهد الأول من “ناقة” على غموضه يمثل عنصرا مهما في بيئة الشخصيات التي تبوح بتفاصيلها مع تدفق الحكي في الفيلم ليظهر تأثيرها في بنائها السيكولوجي وفي مسار الأحداث التي يتداخل فيها الواقع بالخيال.
تحولات عنيفة وضارية تمر بها “سارة” على امتداد ساعات صار فيها الوقت شخصية مستقلة بذاتها وجزءا من الحبكة الدرامية التي تقوم على قصة بسيطة في حيز زمني حدده والد سارة والتزمت به بطرق ملتوية.
في تفاصيل الفيلم تتواتر المواقف الدرامية والكوميدية وينجح المخرج الشاب في خلق مسحة من الإثارة والتشويق بلغة بصرية تحاكي أعماله على يوتيوب اكنها أيضا تنذر بولاد مخرج برؤية متفردة.
وفي الفيلم يعد ظهور الناقة مرحلة مفصلية إذ تتدافع معها الأحداث وتتسارع لقطات التصوير وسط إسقاطات ذكية على الواقع من خلال ملامسة عدد من القضايا بعيدا عن الكليشيهيات من ذلك السرقات الأدبية وغياب ثقافة الحوار والرجعية والازدواجية في الفعل وفي القول.
الناقة بطلة الفيلم التي تتشارك مع سارة في صراعاتها اليومية والعنصر الدرامي الذي أضفى بعدا من الفانتازيا على الأحداث من خلال التقنيات المعتمدة في التصوير والتسلسل غير الزمني للمشاهد التي تتداخل فيها الأزمنة.
رحلة شيقة تتصارع فيها التقاليد والرغبة في التحرر وتتعانق فيها المجازفة بالخوف والوهن حينما يتحول موعد سارة مع “سعد” (يزيد المجيول) إلى ملحمة في ثنايا الكثبان الرملية على إيقاع حنين الناقة.