“يلا باركور” فيلم وثائقي للمخرجة عريب زعيتر، فيلم مفعم بالذاكرة تختلط على أعتابه المشاعر وهي تتأرجح بين رغبة “عريب” في العودة إلى غزة ورغبة “أحمد” في فرصة للسفر.
حينما كانت تلاحق ذكرياتها على شاطئ غزة ووالدتها تبتسم لها وتتصفح الإنترنت لعلها تجد صورة تُخفت حنينها صادفت “أحمد” وأصدقاؤه، فريق باركور (رياضة الوثب) يطوع الدمار ليقتنص لحظات حرية.
أنقاض المباني المدمرة في غزة صارت حواجز وعقبات يصقل بها الفتية مهاراتهم في الوثب ويتأرجحون بين أرض وسماء ويملأون الأثير ضحكات وهتافات تطمس أثر الانفجارات.
هذه اللحظات الشاعرية التي لا تخلو من وجع التقطتها المخرجة عريب زعيتر وحاكت منها فيلما الوثائقي الذي يستمد خصوصيته من حضورها فيه بكل ما أوتيت من حنين وشجن وتشبث بالهوية.
فيما تتشكل صداقة مخصوصة بين “عريب” و”أحمد” ترتسم وجوه كثيرة للملاحم المستمرة في غزة وفلسطين وتصبح رياضة “الباركور” بوابة للغوص في الدواخل واختبار للمشاعر على حافة الدمار.
وللحديث عن فيلم “يلا باركور” وخصوصياته الفنية والإنسانية، قالت المخرجة عريب زعيتر ” خصوصية الفيلم موجودة من ارتباطي بالمكان وبالشعب، والذاتية تظهر من وجودي كإنسان في الفيلم ورواية قصتي من خلاله وهو خيار تقرر في مرحلة متأخرة عن اضطرار”.
في سياق متصل، أضافت ” لم أجد طريقة أخرى أعبر بها عن المشاعر التي أريد أن أبلغها دون أن أكون في الفيلم ومن هنا جاءت خصوصيته، هذه الخصوصية متأتية أيضا من العثور على فتيان يمارسون “الباركور” في غزة حيث الكل محاصر من جميع الاتجاهات تحت وطأة الحرب”.
كما قالت ” لم أكن مهتمة بمتابعة الرياضات ولكن قصة المجموعة ملهمة، أن تمارس الوثب في مكان مثل غزة بما يحتويه من ركام مؤثر جدا لكنه أيضا وسيلة للتعامل مع الوضع الحالي، حتى أن أحدهم أخبرني أنه حينما يقفز يشعر بالحرية والقدرة على التنفس ولما يلامس الأرض يتذكر واقعه”.
بتأثر جلي، تابعت بالقول ” مجموعة الباركور بما هم امتداد للمجتمع في غزة يقفون على خط فاصل بين الدمار والحياة، هم يشتغلون على أنفسهم ذاتيا ويتدربون ويحفزون بعضهم البعض على الوثب، هم حريصون على سلامة بعضهم البعض.. هم مجتمع يتوشح باليوتيوبيا، لكنهم يعيشون في مكان تلفه الدستوبيا”.
في الإطار ذاته، اعتبرت أن هذه المفارقة مؤثرة خاصة وسط الإصرار على محو شعب بأكمله وطمس ثقافته وهويته ومع ذلك هناك صد طبيعي تعلو معه الضحكات ويتواصل التعلم والتدرب بالسبل المتاحة حتى لو اغلقت كل المنافذ”.
عبر هذه الصورة الحالمة تعود عريب زعيتر المتعلقة بابتسامة والدتها إلى غزة التي لا تغادر عقلها وقلبها فيما يحاول “أحمد” البحث عن منفذ خرجها، الأمر الذي تصفه بالمؤرق وصعب الترجمة.
في الصدد ذاته، قالت ” أستصعب أحيانا الحديث عن الأمر، زوجي أيضا فلسطيني وعاش الحروب والمآسي ويرى رؤيتي ساذجة وعاطفية لكنني فعلا أريد أن أرجع إلى غزة، إلى المجتمع الذي أحس أنني أنتمي إليه.. تعلقي بالعودة نابع من هذا المكان من المجتمع الذي يراودني شعور أنني في مرحلة فقدت فيها الاتصال معه.
وأضافت ” أحمد في رحلته يصل إلى هذا المكان بعد أن كان محبوسا بالداخل يصبح محبوسا بالخارج واتصاله مع أهله يبدو وجدانيا.. الشد والجذب متأت من هذه المفارقة أن تكون داخل المحنة وتود أن تتخطاها وأن ترى ما يوجد في الضفة الأخرى التي تبدو جذابة وآسرة ولكنك تجد نفسك في مواجهة شيء أساسي مفقود هو تلك الإنسانية التي تعودت عليها”.
وتابعت بالقول ” بغض النظر عن طريقة التعبير أن تكون غزة في فكرك وأن ترفض ما يجري مسؤولية.. الفلسطينيون لم يبق لهم غير التمسك بهويتهم وانتمائهم.. نحن منتشرون بجميع أنحاء العالم وهذا ما يربطنا”.
في سياق متصل، اعتبرت أن الهوية تؤرقها وأنها تفكر بهوية ابنتها وابنها وهم يعيشون في المجتمع الأمريكي وهي تسعى دائما لأن يظل هذا الجانب حيا فيهما، مؤكدة أن هذا الأمر يشغلها دائما ويضع على عاتقها مسؤولية الحديث عن الهوية الفلسطينية دائما.