في فيلم “شرق 12” تنظر المخرجة هالة القوصي إلى الواقع من زاوية مغايرة يتهافت على أعتابها العبث وتتلاشى الطبيعية شيئا فشيئا فيما تنسحب الألوان لصالح الأبيض والأسود.
في سياق درامي لا معالم زمكانية واضحة له، تتحرك الكاميرا لتلاحق عوالم يسكت فيها الوقت وتتراجع قيمة الفضاء لصالح الفكرة التي ترج الخيال في الحكايات والحواديت الممتدة في الزمان والمكان.
صور على سجيتها تتناثر في الفيلم ولا تزورها الألوان إلا في خيال الشخصيات وأسلوب فنية يمضي إلى ما بعد الواقعية ليسائل الواقع فيما تسائل السلطات على تخوم الفانتازيا التي تشرح مسارات الواقع بأدوات الخيال.
للحديث عن هذه المساحات التجريبية التقت رياليتي أون لاين مخرجة فيلم “شرق 12″ هالة القوصي للحديث عن أسلوبها واختياراتها الفنية المختلفة وعن لجوزها للحكي بطريقة تحاكي حكايات ألف ليلة وليلة.
في هذا السياق أشارت هالة القوصي إلى تحرر حواديت الف ليلة وليلة من ثنائية الزمان والمكان مقابل ترسخ شخصياتها في الذاكرة وتتجذر في الهويى العربية وهي تصور ناهية الحب والحرية والحياة.
كما أضافت ” كنت مهتمة في فيلمي الثاني بصناعة عمل أهم واكبر قادر على العيش أطول من خلال حدوتة صغيرة تتفرع الى مفاهيم كبرى رغم بساطة السرد فيها، اخترتُ هذا الشكل لضمن عيش فيلمي.. لقد اقتنصت الحق في إضافة “حدوتة” إلى سياق الحواديت بشكل سينمائي”.
أما اختيار الأبيض والأسود فقد أرجعته إلى رغبتها في التعبير عن الواقع المعاش دون مساحيق تجميل، مشيرة إلى أن الألوان يمكن أن تغطي مرارة الواقع كما أن الألوان تنعدم في غياب الخيال على المستوى المجازي.
في السياق ذاته، لفتت إلى أن الشخصيات تعانق الألوان في مسارات الخيال مما يخلق مفارقات في حضور الخيال وغيابه والمناخات المتناقضة من البحر الرحب إلى المكان الصحراوي المهجور.
وعن التحديات التي يطرح التصوير بالأبيض والأسود، قالت إنها تتعامل مع نفس مدير التصوير منذ 15 سنة وأنها بالأساس مصورة فوتوغرافية انطلقت من الأبيض والأسود
وهي التي تخلق العوالم الفنية في افلامها من الديكور والملابس.
كما أضافت “مع الأبيض والأسود يجب أن يكون هناك وعي في الاختيارات عموما لخلق إحساس بالبعد والعنق في الصورة وسط غياب الألوان وهو ما يظهر على مستوى السينوغرافيا والذي ترجمه مدير التصوير عبد السلام موسى القادر على التلون حتى في غياب الألوان في تجربة مختلف ة يستخدم فيها خياله ويراود خيال المتفرح.
وعن الممثلين الذين يخوض في فيلمهم أو تجربة سينمائية قالت إنهم استمروا وقتا كثيرا في اللقاءات وإنشاء الروابط الإنسانية التي تخلق ألفة تعلموا من خلالها أن يكونوا مع بعض ونقلوا ذلك إلى الجمهور بشكل سلسل.
يشار إلى أن فيلم شرق 12 الذي يتخذ شكلا وفيا لمسار مخرجته التي تفكر خارج الصندوق يروي قصة “عبدو” موسيقي طموح عالق في مستعمرة صحراوية معزولة، يقضي وقته بين نبش القبور، وتأليف الموسيقى بوسائل بسيطة يصنعها بنفسه وبرفقة حبيبته “ننة”.
وعلى إيقاع خطة هربه إلى عالم أرحب، ينجو فيه من طغيان زعيم المستعمرة “شوقي بيه” يتدفق الحكي وترتسم ملامح عمل مختلف تنبت فيه للمحظورات أجنحة تحلق بعيدا حيث لا قيود ولا رقابة.