تنتهي اليوم الخميس 16 جانفي 2025 المهلة التي منحها وزير النقل رشيد عامري لفنيّي الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية، من أجل تقديم خطّة إنقاذ عاجلة تهدف إلى تقديم حلول جذرية فعّالة ومجدية بهدف لتحسين جاهزية أسطول الخطوط البعيدة.
ولئن استبشر مستعملو هذه الخطوط ــ التي تشهد منذ سنوات ترديا غير مسبوق من حيث التقليص في عدد الرحلات مما تسبب في مشاكل كبيرة مثل الاكتظاظ هذا فضلا عن التأخير المتكرر في مواعيد انطلاق القطارات وتوقيت وصولها ــ بهذه الخطوة الهامة رغم تأخّرها الا أنهم فوجئوا ومنذ بداية الأسبوع بتصرفات غريبة حد اثارة الريبة لديهم من قبل الشركة التي عمدت الى إلغاء رحلات هامة و”رمزية” وخطوط لطالما كانت من مفاخر “الشيمنو” ومن أكثرها جدوى ومردودية مالية و”سياحية”.
حيث منذ أكثر من أسبوع تم الغاء خط “تونس”المهدية” في الاتجاهين مما أثار حفيظة مستعملي هذا الخط كما تم إلغاء رحلة “سوسة-تونس”عدد 5/12/52 الصباحية والتي تؤمن تنقل العشرات من الموظفين وإطارات عليا ونواب شعب ومسؤولين الى العاصمة فضلا عن المسافرين العاديين من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم محرومين من أبسط حق دستوري لهم وهو النقل.
وما حدث يوم الثلاثاء الفارط وكذلك هذا اليوم من الغاء لثلاث رحلات صباحية متتالية هو ضرب صريح وتعدّ صارخ على حق هذا المواطن الضعيف من قبل المشرفين على هذه الشركة الذين قرروا بجرّة قلم حرمانه من حقه في التنقل من والى العاصمة في بلد ما زالت ترزح تحت المركزية المقيتة ومازالت شركة وطنية وحيدة تحتكر عملية النقل المباشر بين العاصمة ومدن الساحل في ظل غياب بدائل عملية وذات جدوى مادية.
فما حدث اليوم وقبل يومين هو جريمة في حق حرفاء الشركة الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على الالتحاق بمقرات عملهم وعاجزين عن بلوغ الأماكن التي كانوا يقصدونها لقضاء شؤونهم ومصالحهم إذ منهم من كان متوجها الى المستشفيات او المطار او الجامعة أو إحدى الوزارات وغيرها.
أفهل يعقل أن يتم إلغاء ثلاث سفرات صباحية متتالية في اتجاه العاصمة مهما كانت الأسباب ؟ أفهل يعقل أن يقصد مئات المواطنين محطة القطار منذ الرابعة فجرا وهم يمنون النفس بالوصول إلى العاصمة لقضاء شؤونهم ليجدوا نفسهم وفي غياب تام للمعلومة يراوحون مكانهم الى حدود العاشرة، موعد انطلاق القطار القادم من مدينة قابس التي غادرها منذ منتصف ليلة أمس !!!
أفلا يعتبر عبثا ما يحدث صلب هذه الشركة العريقة التي قد تشهد في الأيام القادمة ربما التوقف النهائي للخطوط البعيدة بسبب ما نشاهده يوميا من إلغاء للسفرات بسبب النقص الكبير في المعدات وفي جاهزيّة الأسطول التي لا تتعدى 30 %،هذا فضلا عن الإشكال المتعلّق بعمليّة التزوّد بقطع الغيار» كما أفادنا به سابقا الناطق الرسمي للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية، حسان ميعادي ؟
والأهم من كل هذا، لماذا لم يتم التدخل منذ سنوات لحلحلة هذا الوضع المزري والمنبئ بحدوث الأسوء رغم علم المسؤولين عن الشركة وفي وزارة الإشراف بتفاقم الوضع وتدهوره ؟ لماذا لم يتم اتخاذ قرارات وحلول جذرية تقطع مع سياسة الترقيع و”الليقة تجيب” والمهادنة والحال أن المسافرين قد قاموا بأكثر من وقفة احتجاجية للتعبير عن استيائهم من هذا الوضع المقرف والذي قد يتطور الى الأسوء والحال أن مصير مئات العائلات في جميع المدن التي تمر عبرها السكك الحديدية أو المجاورة لها تستمد بقاءها وحياتها من تنقّل أحد أفرادها يوميا عبر القطار ؟
ولعلّ مسؤولي الشركة من المشرفين على هذه الخطوط المنزوين في عليائهم غير عابئين بمآسي المفقّرين والمهمّشين ممن ارتضوا لأنفسهم قسرا، شقاء السفر بالساعات على متن قطار قد يأتي وقد لا يأتي من أجل توفير لقمة العيش لهم ولعائلاتهم، أمام مسؤولية تاريخية لوضع حد لهذه الحالة من العبث والفوضى واللامبالاة من أجل إنقاذ هذه الشركة وارجاعها الى “السكة” الصحيحة ومن أجل حفظ كرامة المسافر-المواطن الذي طفح لديه الكيل وأصبح مهددا في قوته وفي قوت أبنائه وذويه.