بعد أن تناثرت في ثناياه الألحان النابولية مع مجموعة “آرس نوفا نابولي، توشح شارع الحبيب بورقيبة بالراب والعيطة ضمن عروض الشارع في أيام قرطاج الموسيقية.
ورغم الحواجز التي انتصبت بين الجمهور والركح، فإن الحماسة لم تخفت طيلة عرضي مغنية الراب “FBK” (فاتن بن خالد) وعيطة من أمور للثنائي وداد مجمع وخليل الهنتاتي.
وفي اليوم الثاني لعروض الشارع امتدت الموسيقى من تونس إلى المغرب وتعددت الأنماط الموسيقية واللهجات وتنوعت الكلمات لتروي في الأخير حكاية الشغف والمقاومة.
في البدء تصاعدت الموسيقى التي أوجدتها دي جي “روح” على الركح ورافقها صوت “أف بي كا” التي تجيد انتقاء الكلمات واللعب على موسيقيتها وتتقن الحديث عن اليوم وهواجسه وهمومه.
بكلمات بسيطة زينتها بشاعريتها وحسها المرهف تخاطب المغنية الصاعدة التي تتحسس طريقها الفني بثبات العقل والعاطفة وتتنقل بسلاسة بين الانفعالات التي ترافق الكلمات.
هدوء ونعومة وتمرد ورفض وثبات وشراسة، بعض من ملامح الأداء الركحي لفاتن التي تعي معنى التحكم في الفضاء الذي تتحرك فيه ومعنى أن تُبقي على التواصل معه فتراها تغادر الركح وتلتحم مع الجمهور رغم الحواجز.
على إيقاع الموسيقى التي استسلم الجمهور الذي حل من أعمار مختلفة تصدح أف بي كا بكل ما يعتمر ذهنها بكلمات تراوح بين العامية والعربية الفصحى بأسلوب شاعري يميزها عن غيرها.
المزج بين الأداء الموسيقي والكلمة الموزونة ومسرحة الكلمات، لعبة تتقنها فاتن جيدا وهي التي ظهرت بإطلالات بلمسات مختلفة من تصميم صالح بركة، لمسات تعكس هويتها وتشبثها بالموروث التونسي والافريقي.
وبعد أن نثرت الفنانة التي تشدك إلى كل تفاصيلها طاقة جياشه في صفوف الجمهور الذي تفاعل معها كل على طريقتها حل ثنائي “عطية مونمور” المغربية وداد مجمع والتونسي خليل الهنتاتي (EPI) وأوغلا بالجميع في عوالم العيطة.
حالة من التماهي بين خليل ووداد ارتسمت على الركح، ولم يكتف خليل هذه المرة بالعزف فقط بل شارك رفيقته الغناء وعادا بالزمن إلى الوراء إلى القرن الثاني عشر متى امتدت جذور فن العيطة.
“العيطة” التي تحيل إلى النداء لاحت بكل زخمها في شارع الحبيب بورقيبة واستحضرت وداد مجمع حكاياتها التي تراوح بين العشق والمقاومة وتشترك جميعا في شاعريتها ورمزيتها وتشفيرها.
وإن اتخذت العيطة ملامح فنية معاصرة إلا أنها لم تفقد جوهره وروحها وقدرتها على تحرير الجسد والروح من كل القيود فلا بملك من سمع النداء إلا أن يستسلم للرقص بعد أن تخترقه هالة الروحانية.
قالب جديد للعيطة يرتكز بالأساس على الموسيقى الإلكترونية، يحمل شعر وموسيقى هذا الفن إلى مساحات أخرى ويحاول حفظه من النسيان ومن الصور النمطية.
كل السنوات التي استغرقتها وداد مجمع في البحث العميق عن فن العيطة ولقاء الشيخات تجلت في صوتها الذي يسري بك إلى عوالم الكلمات التي تروي ملاحم حب ومقاومة بكلمات تختصر سيلا من الأسرار.
سردية موسيقية تراوح بين التقليد والحداثة، ارتسمت على الركح في شارع الحبيب بورقيبة وتجلت معها بعض من ملامح العيطة المنقول شفويا والمتأتي من بيئة بدوية والذي تعتبره مجمع وسيلة لمحاربة النظام الأبوي.