على ركح قاعة المبدعين الشبان في مدينة الثقافة مدت الفنانة الجزائرية آمال زان جسورا بين الثقافات والأنماط الموسيقية والغرب والشرق والحاضر والماضي والأصالة والتجديد في عرضها ضمن أيام قرطاج الموسيقية.
هذه الجسور تجاوزت الركح لتمتد للجمهور الذي شهد العرض واقفا دون كلل أو ملل فموسيقى “جسور” تسحب كل تركيزك وتحمل إلى ثنايا الشعبي الجزائري والتلوينات المغاربية والإفريقية والبوب والروك وموسيقات العالم.
وعلى إيقاع الموسيقى التي أوجدها العازفون إمرا قبطان ورضا شامي وحسان خوالف ورزق الله بنسعيد وخلقوا مساحة تماهى فيها الشعبي مع موسيقات أخرى صدح صوت آمال زان ليتجاوز حدود المكان والزمان.
وبين مزيج الماندولين والغيتار والباص والكلافيي والباطري تجلت كل الاختلافات لتخلق ثراء وتنوعا في سجل آمال زان الموسيقي الذي تطرزه بخيوط الهوية وتزينه بالانفتاح.
ولأنها تؤمن بكون الموسيقى جسر بين الثقافات والموسيقات دعت إلى الركح عازفة الكمنحة هيام الغطاس التي أضفت لمسة خاصة على العرض من خلال النغمات التي استدرتها أوتار الكمنجة التي تماهت مع بقية الآلات الموسيقية
في كل زوايا العرض يظهر تشبث آمال زان والموسيقيين المرافقين لها بالهوية من خلال الأزياء التي تحيلك إلى الموروث الجزائري وتخلق عنصر الفرجة على الركح وتأسر حسك وحواسك.
في الموسيقى، في كلمات اغانيها، في حليها، في ثباتها وثورتها، ترتكز الفنانة المتمسكة أبدا بجذورها اعتمادها على الشمال أفريقي والمغاربي والأمازيغي، وتنشئ فنا يشبها ويفي لما تعلمته ويختزل تمثلاتها وانطباعاتها على مدى سنوات في مجال الموسيقى.
وبصوتها المحمل بسحر الأمازيغ والموشح بالإفريقية والضارب في العالمية لم تنفك تصدح أنها جزائرية وأمازيغية ومواطنة شمال إفريقية وعالميية لترسم وجه الموسيقى الكوني الذي يستوعب كل الاختلافات العرقية والدينية والثقافية والجنسية والأيديولوجية.
وهذه الفنانة التي علا صوتها في الحراك الجزائري تستثمر الفن والموسيقى في مسيرة النضال الثقافي والهووي للأمازيغ في المنطقة، إذ تحمل مقاومتهم في الألحان والكلمات وفي الأزياء.
وعلى طريقتها تعيد صياغة الهوية الموسيقية من خلال النبش في تراث الأمازيغ، وهي في ذلك لا تحاول أن تحمي هذا الإرث من الزوال فحسب تقاوم مع غيرها من المؤمنين به من أجل وجوده وبقائه.
صوتها القوي ذو الخامة المميزة ينساب في مساحات مختلفة تراوح بين الشعبي والتناغمات العالمية ويستحضر منطقة دهرة التي غنت من تراثها وشحنت الجمهور بطاقة لا متناهية.
في منطقة دهرة الجبلية الساحلية، وتحديدا بلدة تيبازة في الجزائر، صرخت آمال زان صرختها الأولى في وجه الحياة وهي تعلي اليوم صوتها للتعريف بموروث مجتمعها المحلي وما ينطوي عليه من زخم فني.
وعبر ألبومها الثاني “جسور” مساحة موسيقية تتجلى فيها جذورها الأمازيغية الشمال إفريقية وإيقاعاتها وتواصل التجريب والاستكشاف وتصنع موسيقى تحافظ فيها على الإيقاعات الشعبية التراثية وتقربها من عوالم الروك بأسلوب حديث وفريد.
وآمال زان مؤلفة وملحنة ومغنية تركت بصمتها في المشهد الموسيقي الجديد وتعود علاقاتها بالموسيقى إلى الطفولة حيث التحقت في سن العاشرة بجمعية الثقافة للموسيقى الأندلسية “القيصرية”.
ومنذ سنة 2004 شرعت في رسم ملامح تجربتها الموسيقية إذ التحقت بالاركسترا السمفونية الوطنية الجزائرية للموسيقى الأندلسية وسنة 2013 أصدرت ألبومها الأول الذي تمزج فيه بين الاثنو بوب و الروك الشعبي
وأصدرت ألبوم “ثلاثة” (2015) الذي مثل نقلة نوعية في مسيرتها، وهو عمل يعود الى القرن الثامن عشر أعادت إحياءه على طريقتها التي صنعت منها نهجا فنيا مختلفا يقوم على الالتزام والمقاومة من أجل بقاء التراث الأمازيغي.