هديل الهمامي-“يا غزة أنا بروحي معاكي ولو بلاكي الدنيا جنة ما نوجع بحرك يا روح الروح نوجعنا إحنا نسقط إن سقطت ولن تسقط، لا ولن نسقط ما دمنا باقون صبا كنهر الغيظ”
بهذه الكلمات التي صدح بها الفنان الفلسطيني بيغ سام، اهتزت القاعة ليلة أمس بصوت المقاومة والحب للوطن، حيث استضافت فعاليات أيام قرطاج الموسيقية حفلا استثنائيا للفنان الذي جاء حاملاً كوفيته وكلماته التي تحاكي وجع فلسطين وشوقها للحرية.
افتتح بيغ سام الحفل بأغنيته القوية “بركان”، في رسالة واضحة بأن الأمسية ستكون ثورة فنية وعاطفية. الجمهور التونسي الذي حضر بأعداد غفيرة تمايل مع كل كلمة وألحان تحمل أسماء مدن فلسطينية كـ”حيفا، غزة، ورام الله”. وكأنه يحيي شوارعها وحكاياتها، قال بيغ سام للجمهور “أوقات بحس التوانسة فلسطينية”، مؤكدا على التشابه الكبير في روح الشعبين التي تتجلى في العزيمة والإصرار على الحرية.
اثناء العرض كانت الكوفية الفلسطينية تخفق على أكتاف الجميع، كأنها علمٌ صامت ينطق بحكايات الأرض والشهداء. هنا وهناك، الحضور يلوّح بالأعلام الفلسطينية، يرفعها عالياً كأنها رسالة بأن فلسطين تسكن القلوب مهما بعدت المسافات.
كان المشهد أشبه بلوحة فنية، حيث اندمج الأبيض والأسود في الكوفية مع ألوان العلم الثلاثة، ليشكلا معا قصيدة بصرية تنبض بالانتماء. وكأن الجمهور بأكمله كان يهتف من أعماقه: “كلنا فلسطين.. كلنا المقاومة.. وكلنا الحلم الذي لا يموت”. في تلك اللحظات، تحولت القاعة إلى قطعة من فلسطين، تنبض بحبها وتردد صرختها.
بكلمات مليئة بالمشاعر، شكر بيغ سام الجمهور قائلا “ما أحلاكم.. جايبلكم سلام من فلسطين لتونس”، مضيفاً “شكراً لأنكم بتحسسو الواحد كأنو في بيتو”. هذه العبارات لم تكن مجرد مجاملات بل كانت انعكاساً لشعور عميق بالانتماء الذي يجمع فلسطين بتونس.
من أعماق روحه ومن ذاكرته التي حملت الحلم الفلسطيني، قدم بيغ سام باقة من أغانيه الشهيرة التي جسدت نضال شعبه. أغنية “لو تضحكي” بثت مشاعر مختلطة من الابتسام الممتزج بالألم، بينما أعادت أغنية “ديسمبر” الحاضرين إلى أجواء شتاءات فلسطين الباردة، التي تحمل مع صقيعها الدفء الكامن في صمود أهلها. أما أغنية “ما بتهون”، فقد جاءت كتعبير صارخ عن الرفض المطلق للاستسلام أمام محاولات الطمس والتهميش.
بتأثر واضح، تحدث بيغ سام عن بداياته “قبل كام سنة كنت بغني بيتي” تلك اللحظات البسيطة التي كان يغني فيها مع والدته داخل منزله تحولت اليوم إلى أعمال فنية تحمل صوت فلسطين إلى العالم. لم تكن هذه الذكريات سوى تذكير بأن الحكايات الشخصية يمكنها أن تكون جزءا لا يتجزأ من القضية الكبرى. وفي لحظة مؤثرة، صعد شاب فلسطيني من بيت لحم إلى المسرح وشارك بيغ سام في أداء أغنية “واصي”، التي جمعت صوت جيلين في نداء واحد يحمل معاني الأمل والغضب والألم. كان هذا المشهد تجسيداً للوحدة الفلسطينية بين الداخل والخارج، حيث بات المسرح مساحة مشتركة تجمعهما.
اختتم الحفل بأغنية “لو مرّة بس”، التي غناها الجمهور بصوت واحد يستدعي فلسطين إلى قلوبهم رغم المسافات والتي كانت بمثابة مرآة لحلم العودة الذي لا يزال حياً في كل فلسطيني. لقد حمل بيغ سام رسالة عميقة عبر ألحانه وكلماته، مؤكداً أن المقاومة لا تتوقف عند الحدود، وأن الفن قادر على تجاوز الجغرافيا ليصبح سلاحا للنضال.