بقلم أميمة الزرواني*
تعتبر الطاقة الشمسية في تونس اليوم واحدة من أبرز الاتجاهات الاستثمارية التي تكتسب اهتماما متزايدا. فهي لا تمثل فقط بديلا واعدا للوقود الأحفوري، بل تحمل أيضا في طياتها فرصا اقتصادية هائلة قد تساهم في تحول جذري في القطاع الطاقي الوطني. لكن هل هي بالفعل الطريق المثلى نحو مستقبل بيئي واقتصادي مستدام ؟ وهل توازي فوائدها التحدّيات البيئية التي قد تترتب عليها ؟
إن التوجه نحو الطاقة الشمسية في تونس لا يرتبط فقط بجوانب بيئية، بل يعد خيارا اقتصاديا استراتيجيا تسعى من خلاله تونس إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030، عبر خفض كثافة الكربون بنسبة 45% مقارنة بمستوى 2010. وتعد هذه الخطوة جزءاً من أهداف الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتجديد التي تمتد حتى 2035. تتضمن هذه الاستراتيجية أيضاً خفض صافي انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول سنة 2030، بما يسهم في التقليل من التأثيرات السلبية على البيئة. كما تهدف تونس إلى الانتقال إلى 35% من الطاقة المتجددة بحلول 2035، وذلك بهدف تعزيز الاستدامة الطاقية وتحقيق تنمية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة وتحقيق الأمن الطاقي في الوقت نفسه.. كيف لا، والطاقة الشمسية تمثل مصدرا مستداما لا يرهق الميزانيات الوطنية ولا يؤثر على الاقتصاد بطرق سلبية مثلما يفعل الوقود الأحفوري؟ فتونس التي تعاني بشكل مستمر لانقطاع الكهرباء بسبب زيادة الاستهلاك خصوصا في فصل الصيف، تشهد في الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بالاستثمار في الطاقة الشمسية كمصدر طاقي بديل لا مناص من اعتماده.
ولعلّ تطوّر التكنولوجيا الحديثة في هذا السياق قد أسهمت في تحسن جودة الألواح الشمسية بشكل كبير، مما يجعل استثمارها أكثر جدوى اقتصاديا. حيث أن الألواح الشمسية توفر الآن طاقة بأداء أعلى، وتنتج كمية أكبر من الكهرباء باستخدام نفس المساحة، في حين أن تكاليف الإنتاج قد تراجعت بشكل ملحوظ. ولكن كيف يؤثر ذلك على المستثمرين؟ بعبارة أخرى، يؤدي ذلك إلى استرداد أسرع لرأس المال وزيادة العوائد، مما يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة تعزز الاقتصاد الوطني وتقدم حلولًا مبتكرة لأزمة الطاقة. ولكن، كيف ستؤثر هذه التحولات على البيئة ؟
الوقود الأحفوري : عدوّ لدود للبيئة
إن الفوائد الجمّة التي نستخلصها من الاعتماد على الطاقة الشمسية، تدفعنا حتما إلى تسليط الضوء على التحديات المرتبطة بالتعويل على الوقود الأحفوري وتحديدا النفط والفحم والغاز الطبيعي. حيث أن هذه المصادر الطاقية التقليدية تتسبب في انبعاثات ضخمة من غازات الدفيئة وهي الغازات التي تمتص الأشعة تحت الحمراء وتُشعّ
الحرارة في جميع الاتجاهات، مما يُعَجِّل بتسارع التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض. إضافة إلى ذلك، فإن استخراج هذه الموارد يتطلب عمليات ذات تأثير سلبي على البيئة مثل الحفر والتعدين، مما يؤثر بشكل مباشر على التنوع البيولوجي والتوازن البيئي.
لكن، هل يمكن للطاقة الشمسية أن تفرض نفسها كحل بديل لكل هذه التحديات ؟ بمعنى أدقّ، هل الطاقة الشمسية حقا نظيفة ؟
في الوقت الذي يزداد فيه الاهتمام بالطاقة الشمسية باعتبارها خيارا طاقيا متجددا وصديقا للبيئة، يظل السؤال الأبرز: هل هي فعلا طاقة نظيفة كما يتم الترويج لها ؟ هذا السؤال لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل يشمل التأثيرات البيئية التي يتم التغافل عنها في بعض الأحيان.
فعلى الرغم من أن الطاقة الشمسية تعتبر مصدرا نظيفا لأنها لا تنتج انبعاثات مباشرة أثناء توليد الكهرباء، إلا أن تصنيع الألواح الشمسية لا يخلو من التأثيرات البيئية المثيرة للقلق. ذلك أن توفير هذه المعدات الأساسية في إنتاج الطاقة الشمسية يتطلب استخدام مواد كيميائية ومعادن يتم تصنيعها بطرق معقدة، تؤدي في بعض الأحيان إلى انبعاثات غازية ضارة. كما أن المعادن النادرة مثل السيليكون والفضة المستخدمة في تصنيع الألواح قد تؤدي إلى استنزاف موارد طبيعية ثمينة، مما يطرح تساؤلات حول الاستدامة البيئية على المدى البعيد.

الخبير البيئي حمدي حشاد
وفي هذا الإطار أشار الخبير البيئي حمدي حشاد بخصوص تأثير انتاج الألواح الشمسية على البيئة بشكل سلبي سواءً من حيث التصنيع أو التخلص منها الى أن هذا هو الجانب الخفي والسيئ للطاقة الشمسية لأنها في مرحلة التصنيع تدخل في تركيبتها بعض المواد الكيميائية السامة مثل هيدروكسيد الصوديوم وأسيد الهيدروفلوريك التي تطلق في عملية التصنيع غازات مسببة للاحتباس الحراري و بالتالي هذه العملية مهددة للبيئة وتعيق دور الطاقة الشمسية في مكافحة التغير المناخي والحد من إطلاق الغازات السامة. إذا، هي متجددة الطاقة الشمسية، ولكنها ليست نظيفة أي لا يمكن اعتبارها نظيفة 100%.
إضافة إلى ذلك، فإن مدة صلوحية الألواح الشمسية تعد من التحديات التي يجب معالجتها. في الوقت الذي تشهد فيه صناعة الطاقة الشمسية نموا كبيرا، تتزايد المخاوف من تراكم الفضلات الناتجة عن الألواح التي انتهت مدة صلاحيتها. وفي غياب حلول فعالة لإعادة تدوير هذه الألواح، قد تتسبب في تلوث بيئي على نطاق واسع.
ووفقًا لآخر الإحصائيات لسنة 2020، بلغت الانبعاثات الوطنية للغازات الدفيئة في تونس حوالي 48 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون. من هذه الكمية، يُعزى 58% منها إلى قطاع الطاقة، مما يعكس التأثير الكبير لهذا القطاع على البيئة.
الطاقة الشمسية: بين الواقع والطموح
هل يمكن للطاقة الشمسية أن تحل محل الوقود الأحفوري بالكامل؟ في الوقت الحالي، يبدو أن الطاقة الشمسية تقدم بديلا واعدا، لكن اللجوء إليها لا يخلو من التحديات. فإلى جانب تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف، تحتاج تونس إلى حلول مبتكرة لمعالجة التأثيرات البيئية لهذه الصناعة، من خلال تحسين طرق التصنيع والتخلص بطريقة ناجعة وبأقل كلفة بيئيا من الألواح القديمة. لكن لا شك أن الطاقة الشمسية تظل واحدة من أهم الخيارات في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجهها تونس والعالم. حيث مع التقدم المستمر للتكنولوجيا، ووجود استراتيجيات تدير التأثيرات السلبية المحتملة، يمكن أن تمثل الطاقة الشمسية نقطة تحول حاسمة نحو مستقبل أكثر استدامة وذلك من خلال التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز الاقتصاد الوطني.
لكن، وكما هو الحال مع أي تحول تكنولوجي، من الضروري مواجهة التحديات البيئية المصاحبة لهذه التقنية لتفادي تأثيرات غير محسوبة. لذا، يبقى السؤال الأهم : هل يمكننا أن نحقق توازنا بين الفوائد الاقتصادية والطاقة النظيفة ؟
* صحفية وطالبة ماجستير مهني في الصحافة الاستقصائية