شهدت مدينة القلعة الكبرى اليوم الاربعاء 9 أفريل تنظيم تظاهرة “خطوات القلعة”، وهي ملتقى رياضي وثقافي الأول من نوعه من حيث التصوّر وعدد المشاركين ورمزية المكان والزمان.
تحولت منطقة “إسر عويتي” الواقعة في قلب مدينة القلعة الكبرى صباح هذا اليوم الى فضاء رحب اجتمع فيه عدد كبير من أبناء الجهة ومن القادمين من مناطق مختلفة من داخل البلاد وخارجها للمشاركة في تظاهرة جمعت بين النشاط الرياضي والفعل الثقافي والاقتصادي والصحي.
سباقات في العدو لكل الفئات والأعمار
تعتبر فقرة العدو الركن الأساس في هذه التظاهرة التي نظمتها جمعية الرياضات الفردية بالقلعة الكبرى بالتعاون مع معتمدية وبلدية المكان. حيث تضمنت هذه الفقرة مسابقات في العدو لمسافات 1 كلم و5 كلم و14 كلم. وقد كانت هذه المسابقات فرصة للمشاركين من مختلف الفئات العمرية ومن الهواة والمحترفين وعدائين وضيوف من مختلف جهات البلاد ومن دول أخرى كالجزائر وليبيا وفرنسا وإيطاليا لممارسة النشاط الرياضي واكتشاف المسار الذي تم سلكه خصوصا في فئة 14 كم. وبحسب المسؤولين على هذه التظاهرة فإنها تعتبر خطوة تحضيرية لماراطون أضخم سيتم تنظيمه لاحقا في غابة القلعة وتحديدا في منطقة الحنية الممتدة على مساحة شاسعة من الجهة.
ولعل ما ميز هذا السباق الرياضي، الذي خُصِّص للفائزين فيه جوائز ماية وعينية قيمة هذا فضلا على تسليم ميداليات مشاركة تذكارية لجميع المشاركين دون استثناء، هو الجانب الاحتفالي حيث انطلقت جميع السباقات في أجواء مبهجة وعفوية خصوصا في ظل وجود عدد هام من أفراد عائلات المشاركين للتشجيع والمؤازرة.
تآزر جمعياتي
فضلا عن تنظيم تظاهرة بهذا الحجم في حيز زمني قصير باعتبار أن مدتها لم تتجاوز الخمس ساعات تقريبا، وهو معطى مهم ويعكس حنكة المنظمين وتمرّسهم، ما يحسب لجمعية الرياضات الفردية بالقلعة الكبرى هو نجاحها وربما للمرة الاولى أيضا في جمع شمل عدد هام من النسيج الجمعياتي في القلعة الكبرى وهي بادرة قد تؤسس لمبادرات مستقبلية خصوصا أن المدينة تعُجّ بالجمعيات الناشطة في مجالات متنوعة ومتكاملة وفي تعاونهم ستحصل الفائدة حتما للمدينة ولأهلها.

سيرين الزياني رئيسة جمعية الرياضات الفردية بالقلعة الكبرى
وفي تصريح لريالتي اونلاين، بيّنت رئيسة الجمعية سيرين الزياني أن هذا الأمر كان “من بين أهداف هذه الدورة الافتتاحية التي تحولت بفضل مجهودات الجميع الى عرس ثقافي ورياضي”. وفي هذا الإطار أشادت الزياني بالمجهودات الكبيرة التي قدمته هذه الجمعيات، كل حسب تخصصه، في اثراء هذه التظاهرة متعددة الأبعاد والاختصاصات. حيث كان للحاضرين من خلال زيارة خيمات تم نصبها على امتداد الفضاء المخصص للتظاهرة فرصة للتعرف على العديد من المنتوجات من ازياء تقليدية ومأكولات شعبية تختص بها المدينة وأنشطة يدوية وحرفية فضلا عن خيمة صحية للتقصي من بعض الأمراض المزمنة كمرض السكري وضغط الدم وغيرها. وتضم قائمة الجمعيات المشاركة جمعية أريج وجمعية المحبة وجمعية أصدقاء الصّحة وجمعية ابن رشد للفكر والإبداع وجمعية مدينتي والاتحاد الوطني للمرأة والغرفة الفتية والكشافة التونسية وجمعية التطوع في خدمة الحماية المدنية ونادي قدماء خطاف القلعة الكبرى ونادي القلعة الكبرى للرياضة وجمعية رياضة للجميع وجمعية We Bike In Sousse.
احتفاء بغزّة في ذكرى عيد الشهداء
لم تمر هذه التظاهرة، وبلادنا تعيش على وقع تنظيم مظاهرات ومسيرات حاشدة لدعم الشعب الفلسطيني المرابط في غزة تحت القصف والعدوان الصهيوني، دون الاشادة والاحتفاء بالمقاومة الفلسطينية عبر تقديم وصلات فنية من التراث الفلسطيني وأغان حماسية تفاعل معها عدد كبير من المشاركين خصوصا من فئة الشباب. حيث رددوا شعارات تضامنية مع الفلسطينيين الذين يعيشون عملية ابادة جماعية وسط خذلان عربي رسمي وغليان شعبي يعكس المكانة الكبيرة التي تحظى بها هذه القضية في قلوب الشعوب العربية. فكان هذا اليوم الذي يتوافق مع ذكرى عيد الشهداء في بلادنا مناسبة ملائمة لأبناء القلعة الكبرى وضيوفهم للاحتفاء بشهداء فلسطين في غزّة وخان يونس ورفح وغيرها من المدن الفلسطينية التي تخضبت أرضها وارتوى ترابها بدماء شهدائها البواسل.
قبّة سيدي بن عيسى تفتح ابوابها للعموم
من النقاط المضيئة في هذه التظاهرة الرياضية والثقافية هي فتح فضاء قبة سيدي بن عيسى أمام المشاركين وضيوف المدينة لزيارتها واكتشاف هذا المعلم الأثري الأخّاذ. ولعلّها المرة الأولى الذي يتم فيها فتح هذا الفضاء أمام العموم بعد ترميمه واعادة تدشينه يوم غرة أفريل 2023 من قبل جمعية دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى وبمجهود شخصي من رئيسها سفيان الفقيه فرج وبالتعاون مع المعهد الوطني للتراث وبمساهمة البعض من أبناء المدينة الغيورين عليها الذين قدموا مساعدات عينية ومادية. وبفضل هذا المجهود الاستثنائي تم انقاذ هذا المعلم واعادة الروح اليه بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والاندثار.
ولعلّ هذا الحدث يكون فرصة لطرح المشكل الإداري لهذا الفضاء التابع الى وزارة التربية والذي يتم استغلاله أحيانا كقسم في مدرسة بن عيسى والحال أنه من الأولى أن يتم ضمّه الى وزارة الثقافة حتى يتم استغلاله على الوجه الأمثل وبطريقة تتماشى وطبيعة التراثية أو يتم تثمينه وايجاد السبل الكفيلة لفتحه أمام العموم مع مراعاة خصوصيته كفضاء تابع للمدرسة مع الأخذ بعين الاعتبار أن بابه الرئيسي يطلّ على فضاء الأنشطة الرياضية بالمدرسة. ومن سخرية القدر أن مدينة القلعة الكبرى التي تعج بالأضرحة والمقامات والمعالم الأثرية لا تحتوي على أي فضاء أثري مهيأ. وقد تكون البشرى قادمة في الأسابيع أو الأشهر القريبة من خلال ما أكّده لريالتي أون لاين الباحث ومحافظ التراث بولاية سوسة، محمد علي الخرشفي، في مداخلة سابقة، من أنه قد تمّ تقديم طلب إدراج هذا المعلم التاريخي المُرجّحِ تشييده في القرن الثامن عشر، ضمن قائمة التراث الوطني وأن هذا الطلب يحظى بفرصة قبول كبيرة لما يتوفر عليه من مقومات تؤهله لينال هذا التصنيف وبفضل المجهودات التي قام بها المشرفون على ترميمه عبر تقديم الوثائق والمؤيدات اللازمة في الغرض.
لعلّه ليس من باب المبالغة القول إن الدورة الأولى من تظاهرة “خطوات القلعة” ستظل راسخة في أذهان المشاركين وأبناء الجهة كأبرز حدث جمع بين مجالات متنوعة في الآونة الأخيرة غير أنه وجب لفت الانتباه إلى وجود بعض الهنات والنقائص التنظيمية كان من الممكن للجنة التنظيم تجاوزها وهو ما أقرت به رئيسة الجمعية التي أكدت حرصها على تلافيها في الدورات القادمة مؤكدة عزمها وإصرارها على إعطاء هذه التظاهرة بُعدا أكثر اشعاعا وتألقا.