نظّمت منظمة العفو الدولية تونس، يوم الأربعاء 7 ماي 2024، مائدة مستديرة ناقشت فيها عجز النظام الدولي متعدد الأطراف عن التصدي للإبادة الجماعية المتواصلة في غزة.
كما عرضت المنظمة تقريرها السنوي لعام 2024/2025، الذي يوثق أوضاع حقوق الإنسان في أكثر من 150 دولة. وقد انعقد هذا اللقاء في سياق دولي يتسم بتصاعد النظم السلطوية، وفشل المؤسسات الدولية في حماية الحقوق الأساسية، في فلسطين كما في مناطق أخرى، إلى جانب تزايد اللجوء الانتقائي إلى القانون الدولي، مما يعمّق أزمة هذا النظام ويهدد مرتكزاته.
تمحورت النقاشات حول تحليل تجليات هذه الأزمة، واستشراف سُبل المقاومة، وبحث إمكانيات تشييد نظام دولي بديل: أكثر عدلاً وشمولاً، وأكثر التزاماً بمبادئ التضامن الإنساني. شارك في هذه المائدة كل من فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأمين ثابت، الأستاذ والخبير في القانون الدولي، ووئام بوس، المديرة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية تونس.
شكلت هذه المائدة المستديرة مساحة للتفكير الجماعي في بدائل فعلية، تهدف إلى رفع صوت الجنوب العالمي، والدفاع عن قانون دولي يعيد الاعتبار لقيم العدالة والكرامة في العلاقات بين الشعوب والدول.
ركّز تقرير منظمة العفو الدولية السنوي، الصادر في ماي 2025، على التحذير من التدهور المتسارع لأوضاع حقوق الإنسان على الصعيد العالمي.
وأكد أن النظام الدولي القائم على مبادئ الحقوق والعدالة يواجه تهديداً خطيراً يمس جوهره، في ظل تصاعد النزعات السلطوية والشعبوية. وحمّل التقرير مسؤولية هذا التدهور لعدد من القادة الشعبويين، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عاد إلى الساحة السياسية بأجندة تقوم صراحة على التمييز وتقويض التزامات بلاده الحقوقية.
وقالت الأمينة العامة للمنظمة، أنييس كالامار: “هناك أزمة عالمية، لكن ليست بسبب غياب القوانين، بل بسبب تواطؤ القادة، وازدواجية المعايير، وصعود نماذج سياسية تُمجّد الانتهاكات، وتشجّع القمع على حساب الحقوق.”
وأضافت كالامار أن العالم بات يشهد “تحالفًا خفيًا بين المستبدين والمنافقين الدوليين”، مشيرة إلى أن العديد من الدول الغربية التي تدّعي الدفاع عن الحريات، تنخرط عمليًا في دعم أنظمة قمعية، من خلال التجارة أو السلاح أو السكوت المتواطئ.
الأرض الفلسطينية المحتلة: إبادة جماعية متواصلة
وثّق تقرير منظمة العفو الدولية أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر 2023 ترتقي إلى جريمة إبادة جماعية وفقًا لتعريف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
إذ لم تكتف السلطات الإسرائيلية باستخدام القوة العسكرية المفرطة، بل استهدفت عمدًا المدنيين، البنية التحتية الصحية، مراكز الإيواء، شبكات المياه، والتعليم، مما أدى إلى قتل عشرات الآلاف، معظمهم من النساء والأطفال، وتهجير أكثر من مليون ونصف شخص في ظروف غير إنسانية.
وأكدت العفو الدولية أن استخدام إسرائيل لتجويع السكان كوسيلة حرب، وعرقلة دخول المساعدات، وتدمير سبل الحياة الأساسية، يعبّر عن نية واضحة لتدمير جماعي، سواء كليًا أو جزئيًا، للشعب الفلسطيني في غزة. ورغم الأدلة الدامغة، لا يزال المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يوفّر الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري لإسرائيل، ويعطّل كل آلية للمساءلة.
واعتبرت أن السكوت عن هذه الإبادة الجماعية ليس فقط تواطؤًا، بل تقويضًا كاملاً لنظام العدالة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ورسالة مفزعة لبقية الأنظمة القمعية حول العالم مفادها أن الإفلات من العقاب لا يزال هو القاعدة.