النساء ضحايا جرائم التقتيل في تونس، لسن أرقاما ولسن حالات دراسة، هن حيوات وئدت قبل الآوان وصرخات في وجه منظومة العنف وسواق من الدماء لا تجف بالتقادم.
هذه الجرائم التي تطل ببشاعتها من بين ثنايا مجتمع أبوي يطبع مع العنف ويمارس الوصاية على المرأة ويثقل كاهلها بالضغوط مستندا إلى إرث متخلف يجبر المرأة في أحيان كثيرة على التكيف مع بيئة عنيفة.
ولئن يغيب تعريف دقيق لجرائم تقتيل النساء إلا أن بعض الجمعيات على غرار جمعية أصوات نساء اعتمدت في تكييفها للجرائم المرصودة على أنها جرائم تقتيل النساء على ما وقع إثباته وإقراره على نطاق واسع من أن غالبية جرائم تقتيل النساء والفتيات التي ترتكب من قبل الزوج أو الشريك الحميم أو احد أفراد العائلة ( الأب, الأخ العم…).
وتستند هذه الجرائم إلى جنس الضحايا أي تقتيلهن على أساس النوع الاجتماعي وتمتد إلى أسباب ضاربة في الأنظمة الأبوية التي تكرس السطوة الذكورية، وفق ما ورد في التقرير السنوي لأصوات نساء بخصوص “جرائم تقتيل النساء في تونس 2024”.
ويأتي هذا التقرير في سياق تنامى فيه العنف المبني على النوع الاجتماعي وسط مناخ من الوصم والتمييز والتهميش وكل تمظهرات الضغوطات التي تُخضع المرأة إلى بيئة غير آمنة.
وشهدت تونس سنة 2024 ست وعشرون جريمة قتل ومحاولة قتل واحدة، وهو عدد لم يرتفع مقارنة بالسنة الماضية ولكن ايتهدفت بعض الجرائم أكثر من شخص ليبلغ عدد الضحايا الثلاثين.
وتعد الزوجات على رأس ضحايا جرائم التقتيل وقد شملت أربعة جرائم والدة الزوجة إلى جانب الضحية الرئيسية وهي الزوجة وجريمة واحدة تم من خلالها تقتيل الابنة إلى جانب الزوجة.
ووقعت معظم الجرائم في ولايات تونس الكبرى وهي تونس العاصمة وأريانة و منوبة وبن عروس إلا أن هناك جرائم تقتيل نساء مست ولايات أخرى من البلاد وهي سوسة التي عرفت جريمتين كما ارتكبت جريمة واحدة بكل من ولايات المهدية، وسيدي بوزيد، وجندوبة وقفصة، والقصرين، والقيروان، ونابل، وصفاقس، ومدنين، وتطاوين وبنزرت.
ولئن اُرتكبت غالبية جرائم القتل في فضاءات خاصة بهدف التستر على الجريمة فقد سُجّلت حالات قُتلت فيها النساء في الفضاء العام، كالشوارع.
هذه المشهدية التي تصدر التقتيل إلى الشارع تحيل إلى التجاهر بالجريمة والتنكيل بالضحية إذ لم تخل الجرائم من التشفي والانتقام إذ أظهرت الفحوصات وجود آثار واضحة للعنف المادي مثل الكدمات، وقطع الأعضاء (كالأيدي)، والحرق بالسجائر وهو ما يحيل إلى تعمّد الإيذاء والإذلال قبل تنفيذ الجريمة.
وقد تعرضت بعض ضحايا التقتيل، وفق المعطيات المتوفرة، إلى عنف تراكمي ومتعدد الأشكال ومحاولات قتل سابقة لكنها لم تتلق الحماية الكافية وفي الوقت المناسب من السلط لوضع حد لهذا العنف .
ولاحظ فريق “أصوات نساء” أن بعض الجرائم وقعت في أيام ذات دلالات خاصة، مثل يوم عيد الأضحى، أو في فترات معينة من السنة كشهر رمضان حيث يعلق البعض ارتكاب الجرائم على شماعة الضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية.
كما أشار إلى أن جرائم تقتيل النساء التونسيات من قبل تونسي ترتكب حتى خارج الوطن إذ تم ارتكاب الجريمة في كندا سنة 2024 من قبل زوج تونسي على زوجته التونسية حيث سدد لها 20 طعنة بسكين داخل محل الزوجية.
وفي علاقة بطرق القتل والوسائل المستعملة يظهر التشفي في الجسد قبل أو بعد الوفاة، والتعامل المهين مع الجثة كإلقائها في أماكن قذرة أو في الطريق العام، وفق بعض حالات التقتيل المرصودة.
وتختلف الأساليب التي يتبعها الجناة فى جرائمهم بشكل كبير، حيث تتنوع الوسائل والأساليب التي تم استخدامها وتشمل السكين والساطور والمطرقة و”البالة” واليدين والسلك الكهربائي للخنق والسيارة للدهس.
وتراوحت أساليب القتل بين الطعن عديد المرات في أماكن قاتلة وهي الرأس، والرقبة والصدر ، والخنق، والعنف الشديد المؤدي للقتل وقطع اليد، والحرق، والدهس بالسيارة مرتين على التوالي والتسميم بمخدر اثر عملية اغتصاب واغتصاب بعد قتل
وبعد الوفاة، لا يكتفي بعض الجناة بإنهاء حياة الضحية، بل يمثلون بجثتها ففي عديد من الحالات، تم تقطيع الجثث ورميها في أماكن نائية أو مهملة. وقد سجلت حالتان تم فيهما فصل الرأس عن الجسد وإلقاؤهما في أحد الأودية، فيما وثقت حالة تم خلالها تقطيع الجثة والاحتفاظ بها في ثلاجة لمدة عام قبل التخلص منها بنفس الطريقة.
كما تم رصد حالات أخرى، مثل إلقاء الجثة بجانب القمامة في الطريق العام، ودفن الجثة تحت منزل الجاني قيد البناء، ورمي الجثة أمام مستشفى، بل وحتى ممارسة الاغتصاب بعد القتل في إحدى الحالات.
توزيع الجرائم حسب الفئات العمرية للضحايا 3 جرائم تقتيل النساء من الضحايا أقل من 18 سنة 3 . 2 جرائم تقتيل النساء من الضحايا بين 19 و 25 سنة 2 7 جرائم تقتيل النساء من الضحايا بين 26 و 35 سنة 7. 5 جرائم تقتيل النساء من الضحايا بين 36 و 45 سنة 5 5 جرائم تقتيل النساء سن الضحايا بين 46-60 سنة 5 4 جرائم تقتيل النساء من الضحايا تفوق أعمارهن 60 سنة إذ قتلت مسنة بالغة من العمر 90 سنة. تمثل فئة النساء بين 26 و 35 سنة أعلى نسبة وهي %28% مقارنة بالشرائح العمرية الأخرى لكن العد الجملي للنساء المقتولات الذي يفوق سنهم 35 سنة هي أكثر من عدد النساء والفتيات المقتولات التي لم تبلغ سن 35 .
وعلى ضوء الإحصاءات الخاصة بتقتيل النساء في تونس طالبت جمعية أصوات نساء باعتماد “التقتيل” كتوصيف قانوني للجرائم العمدية التي ترتكب على الضحايا لأنهن نساء.
واعتبرت أن هذا التوصيف سيمكن من اعتبار “الجندر” كنمط لتفسير القتل في خطوة هي الأولى من أجل مكافحة هذه الافة، مطالبة أيضا بإنشاء هيئة صلب وزارة المرأة لتقييم فعالية السياسة العامة في مكافحة العنف والتصدي لتقتيل النساء مع إجراء جرد لأنظمة حماية ضحايا العنف بهدف تطويرها وتركيز حملات توعوية وطنية تشترك فيها مختلف الوزارات والهياكل المشمولة بالقانون 58-2017 .
كما أشارت إلى وجوب اعتماد “مؤشر تقييم للمخاطر” من قبل الفرقة المختصة بالقضاء على العنف ضد المرأة وقاضي الاسرة والذي سيمكنهما من تقييم مستوى الخطر الذي تواجهه الضحية من أجل اتخاذ الاليات القانونية الكفيلة بحمايتها إذ أن التساهل مع العنف ومرتكبيه هو بمثابة “الضوء الأخضر” للمعنّف للتمادي حد القتل.
وجددت “أصوات نساء” مطالباتها للدولة بالتعامل الجدي مع العنف ضد النساء من خلال رصد الإمكانات اللازمة والتطبيق الشامل للقانون عدد 58 وعدم اعتبار ضحايا العنف أرقاما ترصد بشكل كمي جاف بل هي “حياة” نساء نشأن في ظل التمييز والهيمنة وفقدن الدعم والمرافقة فأصبحن مستباحات.