يواجه أفراد مجتمع الميم-عين في تونس انتهاكات قانونية واجتماعية وطبية متعدّدة، وثّقتها منظمات وجمعيات حقوقية، في مقابل نفي رسمي لأي ممارسات ممنهجة تنتهك الحريات الفردية.
هذه الانتهاكات متواصلة في سياق يتسم بتوتّر العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وتضارب الخطابات حول مدى احترام تونس لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
إطار قانوني محلّ جدل
وسط التباين بين خطاب الدولة والخطاب الحقوقي، ما انفك الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية، الذي يُجرّم العلاقات الجنسية بين أشخاص من نفس الجنس (المثليّة)، محل جدل وانتقاد واسع من المنظمات والجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان.
وتُستخدم هذه المادة القانونية كأساس للتتبّعات ضد أفراد من مجتمع الميم-عين، حيث تم توثيق عديد الحالات التي تم فيها الإيقاف بناء على الاشتباه فقط، دون احترام الإجراءات القانونية أو الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.
وتشير تقارير حقوقية على غرار الصادرة عن الجمعية التونسية للعدالة والمساواة “دمج” إلى أن هذا النص القانوني يُستخدم بطريقة تمييزية، ويؤسس لبيئة قانونية تُشرعن العنف القائم على أساس الهوية الجنسية أو التعبير الجندري.
الفصل 230 يتم اللجوء إليه في غالب الأحيان بشكل انتقائي قائم على عدم خضوع “المشتبه به” إلى المعايير المجتمعية المجمع عليها، وهو ما يخلق مناخًا من الخوف والترهيب يرزح أفراد المجتمع ميم-عين تحت وطأته.
الخطاب الرسمي.. إنكار ونكران
في ردّها على بلاغ مشترك لمقرّرين أمميين، نفت الدولة التونسية وجود انتهاكات ممنهجة ضد أفراد مجتمع الميم-عين، واتهمت جمعية دمج الحقوقية بتضليل الرأي العام ونشر معلومات غير دقيقة.
وشكّكت المذكرة الصادرة عن اللجنة الوطنية للتنسيق وإعداد التقارير ومتابعة التوصيات في مجال حقوق الإنسان في مصداقية شهادات الضحايا وتقارير التوثيق، معتبرة أن التتبعات القضائية تتم في إطار احترام القانون والمؤسسات.
وقد جابهت “دمج” هذا الرد بانتقادات حادة من حيث اعتبرته محاولة لتغليف الواقع بلغة قانونية رسمية تتغافل عن معاناة بعض الأفراد في ظل تزايد الشكاوى من سوء المعاملة، وتجاوزات الإجراءات، وضعف آليات التظلّم.
وفي هذا السياق عدّد المناضل الكويري سيف العيّادي الانتهاكات التي طالت أفرادا من مجتمع الميم- عين والتي تمثلت في الملاحقات القضائية والمُراقبة الأمنية، واستخدام الفحوصات الشرجية المنصوص عليها بالفصل 230 من المجلة الجزائية.
وأشار العيادي إلى أنه رغم تعهّد الدولة التونسية منذ سنة 2017 بإلغاء العمل بالفصل 230 ، إلا أن جمعية دمج رصدت إيداع 872 شخصا على معنى الفصل 230 من المجلة الجزائيّة، من خلال مطالب النفاذ إلى المعلومة التي توجّهت بها إلى كل من الهيئة العامة للسجون والإصلاح والتفقدية العامة لوزارة العدل، بين 2017 وسنة 2022.
ولفت العيادي إلى إحالة 27 شخصا على معنى الفصل 239 في الفترة الممتدّة بين ماي 2024 وماي 2025 ، في حين سجلت دمج 84 إيقافًا بين سبتمبر 2024 وجانفي 2025 على أساس الفصول المُجرّمة للتعبيرات الجندرية، ووثقت إخضاع 5 أفراد للفحوصات الشرجية القسرية، وفق قوله.
الفحوصات الشرجية.. سقطات أخلاقية وأفعال تعذيب
من أكثر الانتهاكات المثيرة للجدل في علاقة بالقضايا المتعلقة بأفراد المجتمع ميم عين إخضاع بعض الموقوفين إلى فحوصات شرجية قسرية، وهو ما تعتبره المنظمات المحلية والدولية ممارسة مهينة ترتقي إلى مستوى التعذيب.
رغم قبول تونس توصية بإنهاء هذه الممارسة إلا أن بعض الأطباء مازالوا يستجيبون لطلبات الأمن بإجرائها بعد إذن قضائي، الأمر الذي يطرح إشكاليات أخلاقية في علاقة بمهنة الطب وواجب احترام الكرامة الإنسانية.
وقد وثّقت منظمات حقوقية شهادات لضحايا تحدّثوا عن الآثار النفسية والجسدية لهذه الفحوصات، التي تُجرى أحيانًا في ظروف غير إنسانية، ويتم استغلالها لإجبار الأفراد على الاعتراف أو إثبات ميولهم الجنسية “المحتملة”.
وفي هذا الصدد أكدت رئيسة لجنة البحوث والدراسات بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، الطبيبة والحقوقية حميدة الدريدي إن الفحص الشرجي فعل تعذيب يضاهي الاغتصاب.
ومن زاوية نظر طبية، أشارت إلى الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة لهذه الممارسة إذ يعاني ضحاياها من نوبات الهلع والانكسار والعزلة وحالة إحراج مزمنة وقد يصل بهم الأمر حد محاولة الانتحار.
وبينت أنه طبيا وعلميا لا يمكن إثبات المثلية بالفحص الشرجي، معتبرة أن هذا الفعل مناف للأخلاقيات الطبية ومذكرة بأن المجلس الوطني لعمادة الأطباء قد أدانه ودعا إلى الامتناع عن إجرائه وإلى إعلام المعنيين بحقهم في رفضه.
التباس القانوني والأخلاقي
رغم التضييقات والحملات تواصل جمعيات من بينها “دمج” عملها في التوثيق والمناصرة القانونية والنفسية لضحايا التمييز والفصل 230، وأفضى ذلك إلى رصد انتهاكات تشمل الإيقاف التعسفي، والتعنيف الجسدي، والتهديد، والتشهير، إلى جانب الحرمان من المرافقة القانونية.
وفي علاقة بهذه القضايا، تتسم آليات التظلم بعدم فعاليتها في ظل غياب المساءلة إذ أُحيلت عدة شكاوى إلى القضاء بخصوص التجاوزات المرتكبة ضد موقوفين من مجتمع الميم-عين، لم يتم حسمها أو تم حفظها.
ومن زاوية نظر قانونية، اعتبر المحامي حمادي الهنشيري أن رد الدولة التونسية على المقررين الأمميين غير دقيقة، مشيرا إلى أن الفحوصات الشرجية مازالت قائمة وأنها تعد جريمة تعذيب وانتهاك صارخ وخطير ووصمة عار الكل مسؤول عنها، وفق قوله.
وفي ما يتعلق بالحديث عن إجراء الفحص في حالة الموافقة عليه من المعني، قال إن لا أحد يوافق على الفحص الشرجي في ظروف إيقافه، معتبرا أن هذه الموافقة غير مستنيرة بالمعنى القانوني (مبدأ الموافقة يفتقر إلى الأساس السليم على اعتبار أن لا أحد يوافق على فعل يعد تعذيبا).
وفي سياق متصل، أشار إلى أن الفحص الشرجي وسيلة عديمة الفائدة طبيا وعلميا وأن الأحكام القضائية ضد أفراد المجتمع ميم-عين أخلاقية لا قانونية.
كما قال إن الإيقافات التي تطال أفراد مجتمع الميم- عين تتمّ على “قارعة الطريق” بناء على مظهرهم الخارجي، دون موجب قانوني ودون ضبطهم في وضعية تلبّس.
وفي معرض تشخيصه للواقع القانوني أضاف “في هذه القضايا يحكمون بالاستنتاج.. هي أحكام سجنية خاضعة لمنطلقات وتقديرات واعتقادات شخصية”.
وبين الخطاب الرسمي والتقارير الحقوقية تتسع الهوة في تشخيص الواقع المرتبط مجتمع الميم-عين في تونس. وبينما تؤكد الدولة احترامها للحقوق والحريات، تشير الشهادات الميدانية والتقارير الطبية والقانونية إلى وجود ممارسات تتعارض مع الالتزامات الدولية.
*الصورة من غلاف الملف الصحفي الذي قدمته جمعية دمج بمناسبة اليوم العالمي للكويروفوبيا