في قلب حيّ الانطلاقة، حيث يتشابك الصبر مع الروتين، تنضاف معاناة أخرى للمواطنين مع إضراب التاكسي الفردي إذ صار الكل يتزاحم على “المترو” و”النقل الجماعي” و”الحافلات”.
هذا الإضراب عمق مشقة التنقل في ظل منظومة نقل خاوية على عروشها وتلاشت “التاكسيات” ولا حلول في الأفق، سوى الانتظار تحت شمس حارقة في زحام الاختناق.
هذا الحدث ليس عابرا في حي يشهد كثافة سكانية ويلجأ بعض سكانه إلى التاكسي الفردي لتلافي زحمة وسائل النقل الأخرى، وتظهر فيه هشاشة البنية التحتية على قارعة الأشغال المتواصلة وتتشابك مع هشاشة حلحلة أزمات قطاع النقل.
وفيما تتواتر الأنباء عن زيارات ميدانية لمستودعات حافلات ومحطات نقل عمومي على اختلاف الوسائل وعن اقتناء حافلات وعربات مترو إلا أن الوضع واقعا على يبارح مكانه.
في محيط محطات الحافلات والمترو يقف، يوميا، عشرات المواطنين يجمعهم الانتظار والسخط، ويتدافعون على الحافلات التي تلتحن فيها أجساد الركاب والمترو الذي/يمضي بابواب مفتوحة.
وأما سيارات “النقل الجماعي” فباتت هي الأخرى تملأ الركاب دون مراعاة لعدد المقاعد المسموح بها في مشهد يومي ازداد تكثفا مع إضراب التاكسي الفردي حيث مضت السيارات دون لافتات وكانت إيماءات السواق بالرفض إجابة اكل من تلوح يده من بعيد.
معركة يوميّة متجدّدة، يغدو معها الذهاب إلى العمل مهمّة شبه مستحيلة ويبدو فيها ميتعملو وسائل النقل مواطنين درجة ثالثة يتكبدون المشاق للظفر بمقعد في حالات الرفاهية القصوى، أو مساحة موضع قدم أو قبضة يد.
سواق التاكسي الفردي يرون مطالبهم مشروعة في ظل ارتفاع تسعيرة المحروقات ويعتبرون أن التعريفات لا توائم الواقع الاقتصادي ويلجؤون إلى الإضراب وسيلة للضغط.
في الأثناء يتحول المواطن إلى “رهينة” في ظل تدهور منظومة النقل العمومي الناتج عن تراكمات من الإهمال والتسيب تداعت فيها الحافلات وتصدعت عربات المترو والقطار وبلت الخطط والاستراتيجيات.
وفي حيّ الانطلاقة، كما في سائر المناطق الأخرى في تونس، يبقى المواطن الحلقة الأضعف ويصبح التذمر رفاهية أمام توفر “عجلات” تقله إلى العمل أو المستشفى أو أي مكان يؤمه.
وعلى مقربة من الأشغال المستمرة منذ أشهر يتدافع المواطنون والمواطنات على “النقل الجماعي” فيما بدأت بعض “التاكسيات” تلوح بلافتاتها فيما خير البعض الآخر العمل دون لافتات.
قيظ وازدحام وضرورة تدفعك إلى امتطاء “النقل الجماعي” الذي يقربك إلى وجهتك ولكن تبقى أمامك مسافة لن تقوى على اجتيازها تحت وطأة الشمس فتلوح بيدك لتاكسي.
على عكس ظنونك يستجيب “التاكسيست” مع طلب بسيط بالجلوس إلى جانبه لكي يتمكن من تمويه “المتربصين” بمن لمن يستجيبوا للإضراب ومن الهروب من التجمعات التي تستدر الشجار، على حد تعبيره.
الصدفة وحدها تضعك وجها لوجه مع سائق شاب اختار الخروج إلى العمل وعدم تنفيذ الإضراب لأن على عاتفه التزامات تستوجب إيفاءها ولكنه في المقابل لم “يجهر ” بذلك بل اختار نزع اللافتة.
بين إضراب التاكسي الفردي وتمظهراته الواضحة والمقنّعة واهتراء الحافلات وعربات المترو والقطارات تبقى منظومة النقل في تونس على حالها فلا حلول جذرية من الدولة في الشقه العمومي ولا بدائل بعيدة عن استنزاف المواطن ماديا ومعنويا.
وفي حيّ الانطلاقة، كما أحياء كثيرة أخرى لا أحد ينتظر تغييرًا جذرياقريبًا، فقط مزيدًا من الأيام المستنسخة التي تبدأ من أرصفة الانتظار وتنتهي إليها بإرهاق لا يليق بشعار الكرامة الوطنية الذي دوى ذات ثورة.