اختُتم يوم 12 جوان 2025 برنامج “سكور” في تونس، بعد ست سنوات من العمل والتأثير الملموس على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ليفتح بذلك صفحة جديدة يتحوّل فيها من مبادرة تعاون دولي إلى نموذج وطني مستدام تقوده الأطراف التونسية. وقد نُظم الحفل الختامي بمدينة الحمامات بحضور شخصيات وطنية ودولية بارزة، من بينها ممثل منظمة العمل الدولية، وسفير سويسرا في تونس، إلى جانب ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، ووزارتي الشؤون الاجتماعية والصناعة. عبّر جميع المتدخلين عن إشادتهم بهذا البرنامج الذي جمع بين تحسين الإنتاجية وتحسين ظروف العمل، مؤكدين على ضرورة مواصلة هذا النهج كثقافة مؤسساتية راسخة.
تميّز الحفل بطابع تفاعلي وإنساني حيث عاش الضيوف تجربة غامرة انطلقت بمرورهم عبر “نفق الصور” الذي عرض وجوه وقصص نجاح المؤسسات المشاركة. وتخللت الحفل فقرات مشحونة بالعاطفة، من بينها شهادات المستفيدين، وفقرات تفاعلية شارك فيها الحضور، بالإضافة إلى فقرة تكريم لشركاء البرنامج والموظفين المتقاعدين، مما أضفى طابعا إنسانيا عميقا على المناسبة. وتوّجت الفعاليات بمائدة مستديرة عرض خلالها الفاعلون التونسيون خططا ملموسة لضمان استمرارية البرنامج، وهو ما يعكس مدى رسوخ هذا المسار الوطني الجديد.
نتائج باهرة وتأثير طويل الأمد
منذ انطلاقه سنة 2019، مكّن برنامج “سكور” 263 مؤسسة تونسية من تحقيق نتائج مبهرة، تمثلت في زيادة معدل الإنتاجية بنسبة بلغت 209%، وتراجع حوادث الشغل بنسبة 90%، وتحقيق عائد على الاستثمار وصل إلى 193%. كما تمكّنت 66 مؤسسة من تقليص نسبة العيوب إلى النصف، فيما نجحت 73 مؤسسة في استئناف نشاطها في ظرف لا يتجاوز 14 يومًا خلال جائحة كوفيد-19، بفضل ما اكتسبته من آليات إدارة الأزمات.
بعيدا عن الأرقام، فإن الإنجاز الأبرز للبرنامج يتمثل في التغيير الثقافي الذي أحدثه داخل المؤسسات. ووفقا لتصريح السيد أيمن شهلول، المنسق الوطني للبرنامج، فإن الأثر الحقيقي يكمن في ترسيخ ثقافة الحوار والمساءلة والتحسين المستمر، وجعل العاملين في قلب العملية الإنتاجية كمصدر رئيسي لاقتراح الحلول. لقد بات العمال والعاملات اليوم محرّك الأداء الفعلي داخل مؤسساتهم، وهو ما يجسد أحد أعمدة استدامة هذا النموذج.
بناء منظومة وطنية مستدامة
لقد نجح البرنامج في ترك إرث بشري وهيكلي يُعوّل عليه في المرحلة القادمة. فقد خلّف وراءه منظومة وطنية تضم 49 مكونًا تونسيا معتمدا، و21 خبيرا ميدانيا، و18 مؤسسة دعم موزعة على كامل البلاد، في حين يتم تمويل وتنظيم 95% من الدورات التدريبية محليا، بما يعكس تملكًا كاملاً للبرنامج من قبل الشركاء التونسيين.
هذا التحوّل من التعاون الدولي إلى القيادة المحلية لا يمثل نهاية المشروع، بل بداية جديدة لمسار طويل الأمد تتولى فيه تونس زمام المبادرة، مستفيدة من تجربة “سكور” لجعل التنافسية والكرامة في العمل رافعتين أساسيتين لبناء اقتصاد أقوى وأكثر شمولا.