"العرض الأخير قبل الاعتزال…45 سنة مسرحا .. النتيجة سرطان الحنجرة.. ومنحة شيخوخة قدرها 190 دينارا.. شكرا تونس… شكرا وزارة الثقافة"، لا كلمات أبلغ من كلمات الفنان التونسي محمد قريع لتوصيف واقع بعض الفنانين في تونس.
تدويتة ترشح وجعا وقهرا وسخطا على واقع يحاكي فيه وضع الفنان والفنانين في تونس التراجيديا، تراجيديا يخط الفنانون فصولها تباعا تختلف تفاصيلها ولكنها تلتقي جميعها عند المعاناة المشوبة بالنكران والتجاهل والجحود.
يبدو أن مشاهد الفنانين طريحي الفراش منسيين مهمشين من قبل وزارة الشؤرون الثقافية، لن يمّحي وسيكرّر نفسه في كل مرّة ليصبح على شاكلة " المهزلة" التي تمعن " دار" الفنانين في ترسيخها، ذلك أنّ وزارة الثقافة لا تولي الفنّانين والمثقّفين أهمية واهتماما إلا إذا كانوا في ذروة العطاء، وهو أمر نسبي أيضا، أو هي تلتفت إليهم مؤقّتا حينما يوارون الثرى فتسارع إلى بيانات النعي.
فنانون كثر، عانوا المرض والخصاصة ولم يبلغ صوتهم وزارة الشؤون الثقافية إلا بعد حملات إعلامية متواصلة وموجة من الضغط تختلف أشكالها في كل مرّة، فنانون اختاروا على أرواحهم المسرح واختبرتهم أركاح الحياة.
من بين هؤلاء الفنانين الذي أثقل الوجع كاهلهم، الممثل محمد قريع الذي باح بشكواه على الفايسبوك وبسط بعضا من معاناته مع المرض والتهميش ولعل الأشد وجعا في تدوينته هو إعلان مرضه واعتزاله في ذات الآن.
فليس من السهل على ممثل خبرت الأركاح وقع قدميه ونسق أنفاسه وتساقط حبات عرقه بين المشاهد أن يدير ظهره إلى كل ذلك ويواجه مرضه وسط منظومة لا تولي الاهتمام للفنان ووضعياته.
تدوينة قريع مؤلمة ومربكة، تجعلك تتفكر في مصيرك وسط كل الجحود والنكران وتبرهن مرة أخرى على ان الواقع أشد تراجيدية من الخيال فيما تتهاطل أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبتها ولعل على رأسها: اما حان الوقت لإرساء استراتيجية او قانون يجنب الفنان مآلات موجعة؟
ومحمد قريع أحد قدماء المسرح في ولاية المهدية وهو من مواليد 1956 بالرجيش المهدية، كانت بدايته في المسرح المدرسي وفرق الهواة.
في رصيد هذا الفنان المعطاء عديد المسرحيات على غرار "اشكي للعروي" للمخرج المنجي بن ابراهيم والتي كانت بوابته للاحتراف مع الفرقة المسرحية القارة بالقيروان.
"الكسوة"، و"الحجاج بن يوسف"، و"المسرحية تستمر" و"الخماس"، و"أحذية وثلج"، و"أولاد الحلال"، و"الحصالة"، و"شريدة"، "فينيكس"، أعمال مسرحية أخرى صال فيها محمد قريع وجال على الركح….