عبد السلام بن عامر
لم أقرأ لفاتن الفازع، هذه التي لا تمر ببرنامج تلفزي إلا وتثير الجدل، إلا كتابا واحدا هو "أسرار عائلية"، ولغاية تحويل لغته الدارجة إلى اللغة الفصحى بطلب من الناشر، عم الطاهر الفازع، الرجل البحبوح الذي صعب عليّ أن أرفض له طلبا.
وفوجئت بشيئين:
أولهما كون الكاتب باللغة الدارجة محظوظا بثراء المخزون اللغوي الذي يمكّنه من التحليق في فضاء المعاني كما يشاء، وكنت قبل ذلك لا أفكر إلا في القارئ وأتساءل عن الحكمة من الكتابة بالدارجة مادامت قراءة الفصحى أسهل من قراءة الدارجة..
وثانيهما جودة محتوى أغلب فصول الكتاب واستمتاعي أيّما استمتاع بتحويله إلى العربية الفصحى، إلى درجة أني أنتظر صدوره وكأنه كتابي الشخصي.
ومما لم أنسه في كتابها:
_ في الابتدائي، أتذكر نص قراءة خلاصته أن الريح والشمس تراهنتا على من ينزع معطف رجل. فشرعت الريح تهبّ بقوة محاولة نزع المعطف والرجل يقاومها بشدّ حزامه وإقفال أزراره، ورغم كل محاولاتها باءت جهود الريح بالفشل…
ولما جاء دور الشمس، أرسلت أشعتها وبدأت درجة الحرارة ترتفع شيئا فشيئا فنزع الرجل حزام معطفه.. وفتح أزراره ثم نزع معطفه من تلقاء نفسه..
كذلك هي الحياة، كلما تقدمت بنا السن أدركنا أن القوة الحقيقية ليست في العنف بل في اللاعنف، ذلك الذي نسميه بالدارجة الفصيحة "سياسة".
_ لا أدري بالضبط سبب انتشائي اليوم: مقابلتي مع سليم أم رؤية نفسي في عينيه؟
في صغري، أتذكر أني قرأت كتابا عنوانه "الكيمياوي" لبابلو كويلو قلَب فيه هذا الأخير أسطورة نرسيس التي تتحدث عن أمير على غاية من الجمال، عاشق لنفسه، كان يذهب كل يوم إلى نهر ليتأمل وجهه منعكسا في الماء إلى أن سقط ذات يوم في النهر ومات. وقد نبتت في مكان سقوطه زهرة نرجس..
الكاتب تصور شيئا آخر مختلفا تماما وهو أن كل الكائنات في الغابة انخرطت في البكاء على نرسيس وخاصة النهر الذي جاءت كل الكائنات لمواساته قائلة:
نفهم حزنك الشديد أيها النهر. فإذا كنا نحن حزانى عليه رغم أننا لم نكن نراه إلا من بعيد، فما بالك أنت وقد كنت تراه كل يوم وعن قرب..
وهنا قال النهر متعجبا:
وهل كان نرسيس جميلا؟!
قالت الكائنات بصوت واحد متعجبة:
ماذا؟.. ألم تكن تراه جميلا؟!
قال النهر:
لا.. أبدا.. لقد كنت أرى جمالي أنا في عينيه هو.. لذلك أنا حزين لموته..
مثل النهر، كلنا محتاجون إلى الإنسان الذي نرى في عينيه الجوانب المضيئة فينا بعد أن نكون قد تعبنا ممن لا يرى فينا إلا عيوبنا..
أما كتبها الأخرى فلا حكم لي عليها لأني لم أقرأها لسبب بسيط وهو أني أجد صعوبة كبرى في قراءة اللغة الدارجة.