أجرى الحوار : شمس الاصيل العابد
تُعدّ الروائية والقاصّة رانيا الحمامي من الأقلام الشابة التي تشق طريقها الإبداعي بكل هدوء ولكن بثبات كبير. هذه الناشطة في المجتمع المدني من خلال تأسيسها لجمعية “المهندسين المدنيين” وكذلك انخراطها في عدد من الجمعيات الأخرى بولاية سوسة، محل إقامتها، استطاعت في وقت قصير أن تلفت نحوها الأنظار ليس فقط من خلال تألقها الإبداعي بل أيضا من خلال دعواتها المتعددة لإصلاح قطاع الهندسة في تونس بحكم عملها كمهندسة في أحد المؤسسات العمومية.
في هذا الحوار تتحدث الكاتبة رانيا الحمامي صاحبة روايتي “نهابدا” و “الفاضرضي” عن تجربتها في مجال الكتابة القصصية.
من هي رانيا الحمامي ؟
أنا مهندسة مدنية وكاتبة وروائية وناشطة تونسية. بالإضافة إلى شهادتي الوطنية في الهندسة المدنية، تحصلت على شهادة ماجستير في ادارة الاعمال MBA وشهادة ماجستير مصغر في الدبلوماسية الاقتصادية واللوبيينغ، وهو ما يؤكد شمولية اهتماماتي.
فضلا عن قصصي بالعربية، نشرت باللغة الفرنسية ترجمة لرواية ” نهابدا” بعنوان « La boucle de l’humanité » كما ساهمت في كتاب جماعي بعنوان “Horizon Carthage” بأطروحة تحمل عنوان “اعادة اعمار تونس” يقدم استراتيجيات الاصلاح والتنمية والتحديث والتطوير في تونس حيث أطمح إلى تقديم إسهامات ملموسة لتطوير السياسات والبرامج التي تدعم النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والتي تساهم في رفع جودة الحياة للمواطنين. وأسعى إلى تحفيز الآخرين وتوجيههم نحو تحقيق أهداف مشتركة ومستدامة. عملت أيضا على سيناريوات لأفلام تتناول قضايا اجتماعية وتكنولوجية، وأعد لوثائقيات تُعالج مواضيع معاصرة مثل المناخ والمقاومة الثقافية ضد الإرهاب.
اسست جمعية “المهندسين المدنيين” الاولى من صنفها في تونس ، وجمعية “بنات الكاهنة” وأنشط في عدد من الجمعيات الاخرى.
أشارك بصفة مستمرة في أحداث ثقافية مثل تنظيم مبادرة ” كتاب يتضامنون مع القضية الفلسطينية” و لي مقالات متنوعة في عدد من الجرائد والمجلات التونسية والعربية حول المرأة والهندسة والمناخ والمياه والعدالة الاجتماعية. كما قدمت عددا من الكتب والروايات منها ” مابوكا” و كتاب “فلسطين وحروب التضليل الإعلامي” والذي أعد حاليا لترجمته الى الفرنسية.
يتجلّى من خلال انشطتك الثقافية، انفتاحك على كل الأجناس الأدبية. فما هو الجنس الأدبي الأقرب إلى توجيهاتك الفكرية؟
فعلا، أنشطتي الثقافية تعكس انفتاحي على مختلف الأجناس الأدبية، لأنني أؤمن بأن كل جنس أدبي يحمل ابداعا تعبيريا فريدا يمس شريحة من المجتمع خاصة ان كل الاجناس الادبية قادرة على ايصال مختلف التوجهات الفكرية والتجارب المتنوعة. ومع ذلك، أجد نفسي أقرب إلى الرواية، لأنها تمنح مجالا أوسع للغوص في خفايا النفس والتعبيرعن القضايا الإنسانية والاجتماعية وتجسيد الأفكار التي تشغلني. الرواية بالنسبة لي ليست فقط جنسا أدبيا، بل هي تجسيد لمعنى الحرية فأنا أكتب بلا قيود لتشكيل عالم كامل من الأفكار والمشاعر والتفاصيل مما يجعلها الأداة الأمثل لتوجيهاتي الفكرية والإبداعية.
ألا ترين أنك قد دخلت إلى مغامرة تتطلب بذل جهد أكبر لتحقيق الإضافة والجودة لا سيما أنك تتمتعين بمواهب يمتزج فيها الادب بالتنشيط الثقافي الالكتروني ؟
التنوع في الإبداع بالنسبة لي هو مغامرة مدروسة تحمل في طياتها تحديات وفرصا. أؤمن بضرورة الوصول الى كل شرائح المجتمع فالإبداع الحامل لفكرة وقضية إذا بقي سجين صاحبه لا يمكنه القيام بدوره الحقيقي واعتقد ان المزج بين الأدب والتنشيط الثقافي الإلكتروني يتيح فرصة الوصول إلى جمهور أوسع وفرصة تجربة طرق جديدة للتعبيرعن أفكاري.
المبدع يتحمل مسؤولية إيصال رؤاه إلى الجمهور وعدم البقاء في دائرة ضيقة، لأن الفراغ الذي قد يتركه يفسح المجال للتفاهات التي أصبحت سائدة. من هذا المنطلق، أرى أن الانفتاح على الأساليب الإلكترونية والنشاط الثقافي الرقمي ليس مجرد خيار، بل ضرورة. فقد أصبحت هذه الوسائل الأكثر قربا من الأفراد اليوم، وأداة ناجعة لإيصال الأفكار ذات القيمة وإحداث تأثير إيجابي في المجتمع.
كيف اقتحمت عالم القصة وكيف تطوّعين خيالك كي ينسجم مع رؤاك وتصوراتك وكيف تُحوّلين أفكارك إلى قصّة ؟
كان ذلك بدافع إحساس قوي بالواجب لإيصال رؤى شعرت من خلال احتكاكي بالمجتمع أنها غائبة على فئة كبيرة منه. كنت أكتب منذ صغري لكن لم يكن لي دافع للنشر. دراستي الأكاديمية في الهندسة أكسبتني قدرة تحليلية ومنهجية، بينما انفتاحي على الفلسفات المختلفة زاد من عمق تفكيري. اما عملي في المجتمع المدني منحني فهما واقعيا للتحديات الاجتماعية. كما ان لي علاقة وطيدة بالطبيعة غذت خيالي. اما الجرأة في التفكير بحرية والابحار في عالم الكتابة دون خوف او قيود هو نتاج عدم إيماني بالقوالب المجتمعية الجاهزة. أفكاري تنبع من مراقبتي الدقيقة للحياة اليومية وتفاصيلها الصغيرة التي تثير في عقلي تساؤلات عميقة. فضلا عن ذلك فقد تعودت على تحليل عميق لكل ما يحيط بي، سواء كان واقعا مجتمعيا أو مفاهيم وجودية ورؤى مستقبلية.
كما ان مطالعاتي الكثيفة منذ الصغر وعلاقتي المتينة مع الطبيعة التي تبعث على الخيال وعدم إيماني بالمسلمات والقوالب المجتمعية الجاهزة واستشعاري الحرية الفكرية تطلق لخيالي العنان لإيصال الأفكار في تجسيدات روائية وتحويل ما أحمله من افكار ورؤى وتصورات الى احداث ورواية لها أبعاد فكرية هو فن ابداعي وموهبة.
ماذا تمثل لك الكتابة ؟
تماما كالطب البديل في عالم الطب، الكتابة هي سلاح بديل في عالم التسلح حيث تمكن من محاربة الأفكار الهدامة والعقليات المتجمدة وسلبيات الواقع من اجل بناء مجتمعات منفتحة ومتوازنة وقادرة على التفكير والابداع والبناء والتحرر.
فالكتابة لا تنحصر في التعبير على الذات وفهم المشاعر والأفكار بطرق مختلفة في رحلة داخلية لكنها ايضا تمكن من خلق عوالم جديدة تعبر على رؤى وأحلام واهداف وتنقل التجارب وتسلط الضوء على الواقع من زوايا مختلفة وتمكن من فهمه ومعالجته. كما ان الكتابة وسيلة للتواصل مع الآخرين فتكون اداة تحفيز على التفكير والتأمل والتحرر من الجمود ومن قيود اللحظة وغرس القيم الكونية والإنسانية.
شخصيا، الكتابة تحررني من ثقل عدم القدرة على تغيير الواقع الى ما هو أفضل وتمنحني الحرية للإبداع والتواصل مع قراء اليوم وقراء المستقبل. فالكتاب لا يندثر. وفي لحظة ما، اشعر انها واجب اتجاه الإنسانية انقل من خلالها تجاربي ورؤيتي.
هل في تنويعك لطبيعة الشخصيات بحث عن اقناع القارئ بواقعية القصة وتمثّلها ؟
تنوع الشخصيات يعكس واقعية أكبر وتماثلا للتنوع في الحياة الحقيقية ويساعد في خلق عالم متعدد الأبعاد.
على سبيل المثال، في رواية “نهابدا”، استخدمت شخصيات متعددة لاستكشاف الصراعات الاقتصادية وعلاقاتها بالسياسة وبالمجتمع ومدى تأثيرها ولتقديم ماهية الوسائل التي يعتمدها اطراف الصراع وذلك بطريقة مبسطة يفهمها القارئ باختلاف مستوياته الفكرية والعلمية والمعرفية مما يسهل فهم هذه القضايا.
و في رواية “الفاضرضي”، استخدمت شخصيات فضائية بل خلقت شخصية فضائية أرضية مختلطة الجينات ( فاضرضي) يمكن لها العيش في الارض وفي الفضاء بشكل طبيعي إلى جانب الشخصيات البشرية وذلك في انفتاح على المستقبل وفي محاولة لدفع القارئ الى التخمين في ماهية وجوده على الارض والامكانية الواردة لتواجد مخلوقات اخرى وفرضية خلط جينات البشر مع جينات مخلوقات فضائية، وذلك في حبكة وترابط مع الواقع وتحدياته مع طرح الأسئلة المتصلة بالحياة اليومية للقارئ من خلال الشخصيات البشرية في الرواية والتي تسلط الضوء على التحديات الاجتماعية والمسلمات وعلاقة الانسان بذاته وبمحيطه.
تعدد الشخصيات ليس مجرد أداة سردية، بل هو وسيلة لإيصال رسائل متنوعة وجعل القارئ يشارك بفعالية في التفكير حول المواضيع المهمة التي أطرحها في رواياتي والتي تتصل بالواقع وتستشرف المستقبل في نفس الوقت .
هل تفكرين في إنجاز عمل نقدي مواكب لتجارب الكتّاب ؟
غايتي الرئيسية هي التفاعل مع أفراد المجتمع ومع القراء بشكل مباشر من خلال كتاباتي. المبدع يطور نفسه بنفسه من خلال تجربته ومواكبته لما يحيط به بشكل طبيعي. إن النقد الأدبي مهم، لكنه ليس ما أسعى إليه، كما أرى أن الإبداع الحر والتلقائي هو ما يميز الكتابة ويمنحها روحها الخاصة وأن الإبداع الحقيقي ينمو بشكل عفوي وينبثق من داخل الكاتب دون الحاجة إلى توجيه خارجي.
ما هي تحديات الكتابة بالنسبة إليك ؟
تواجهني عدة تحديات في مسيرتي ككاتبة. أولها هو التوازن بين الالتزامات المهنية، حيث أعمل كمهندسة في وزارة التجهيز حاليا وبين شغفي بالكتابة وهو ما يتطلب مني إدارة الوقت بفعالية ومجهود ذهني مضاعف لضمان تفرغ كاف للإبداع خاصة ان القضايا التي أتناولها والتي تجمع بين أبعاد كونية واجتماعية واستشرافية تستدعي فهما شاملا وذهنية ترتبط في الوقت نفسه بواقع اليوم وباستشراف الغد في محاولة لإيصال رسائل عميقة وهادفة وسط ضغوط الحياة اليومية.
ثانيا، الحفاظ على الجودة والتميز في وسط مليء بالمحتوى الإلكتروني والاعلامي متفاوت الجودة. حيث ما يجتاح وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام اليوم يجعل في كثير من الأحيان المضامين الهادفة تلقى عزوفا.
من التحديات التي أواجهها أيضا هي صعوبات تتعلق أساسا بعملية النشر والتوزيع والوصول الى القارئ في وضع يفضل فيه الفرد الهاتف الخلوي على الكتاب، وهو ما يتطلب ابتكار طرق جديدة لجذب انتباه القراء وتحفيزهم على قراءة الأعمال الأدبية.
كما ان هناك تحد آخر يتمثل في تقبل الوسط الثقافي لروائية تأتي من عالم الرياضيات والهندسة والبناء، حيث يعتقد البعض أن الكتابة حكر على من يقترب تكوينه الاكاديمي من التخصصات الأدبية. وهذا التحيز يتجاهل أن العديد من الكتاب الكبار جاؤوا من خلفيات أكاديمية غير أدبية وحققوا نجاحات كبيرة
ماهي الإضافة التي تحققت لك بفضل الكتابة ؟
الإضافة حاصلة على عدة مستويات. على المستوى الشخصي، مكنتني الكتابة من العيش في عوالم أخرى، حيث أندمج مع الشخصيات والأحداث بشكل عميق، مما يجعلني أشعر أنني أحيى أكثر من حياة. هذا الاندماج يمنحني شعورا بالحرية والتجدد، ويعزز من قدرتي على الابتكار والإبداع.
أما على المستوى الفكري، فقد منحتني الكتابة القدرة على مزيد تنظيم أفكاري وتطوير رؤى جديدة. كما أنها أتاحت لي فرصة للتأثير الإيجابي على الآخرين وتحفيزهم للتفكير والتأمل، مما يتيح لي الاستجابة لمشاعر تختلجني حول أداء الواجب الاجتماعي والتواصل مع افراد المجتمع.
أي دور للقصة اليوم في ظل كل هذه المتغيرات والتحولات الرقمية التي يعيش على وقعها العالم ؟
في ظل منظومة الشبكة المعلوماتية الإلكترونية وامتزاج الثقافات والأجناس، أصبحت القصة أكثر شمولية كما انها صارت تتفاعل مع قضايا العصر بشكل أعمق في اطار قيم تجمع كل المجتمعات والثقافات وتلامس ابعادا نفسية وانسانية تتقاسمها الذات البشرية مؤكدة الوحدة الخفية لكل الكائنات. كما اصبحت القصة تنشر بشكل رقمي مما يجعلها تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية مما يجعلها اكثر تأثيرا.
هذا التحول يتماشى مع رؤيتي، حيث أؤمن بأن القصة يمكنها أن تكون أداة للتغيير الإيجابي، من خلال دفع القارئ الى التخمين بعيدا على المسلمات مع استغلال امكانية الوصول إلى جمهور موسع. وهو ما يدفعني إلى الاستثمار في هذه الشبكة، ليس فقط لتقديم إبداعاتي، بل أيضا للمساهمة في نشر ثقافة ذات قيمة وسط زخم المحتوى الرقمي، حيث أصبح التميز والمضمون الهادف ضرورة أكثر من أي وقت مضى.
ماهي الأجناس الأدبية الي تستهويك ؟
تستهويني كل الأجناس الأدبية، وفي مقدمتها الرواية فهي تمنحني مساحة أكبر من الحرية للتعبير العميق عن الأفكار والقضايا الإنسانية والمجتمعية والفلسفية بأسلوب يمزج بين السرد والتأمل وبين الخيال والواقع وتمكنني من ايصال رسائلي بسهولة من خلال بناء الشخصيات والأحداث كما استمتع بحياكة حبكتها.
كما يستهويني السيناريو الأدبي لأنه يتيح لي الفرصة لتحويل الأفكار إلى مشاهد حيّة تتحدث بلغة بصرية تصل مباشرة إلى الجمهور. السيناريو يمزج بين الأدب والفن، وهو وسيلة فعالة لمعالجة القضايا الاجتماعية والفكرية بأسلوب معاصر ومؤثر.
ويشدني الشعر الغنائي الذي أجد فيه وسيلة للتعبير عن الأفكار بطريقة تمتزج مع المشاعر مما يخلق جمالية تترك أثرا في المستمع أو القارئ. شغفي بالشعر الغنائي ينبع من إيماني بأن الأدب يجب أن يكون قريبا من كل الفئات، وهذه القوة التي يمتلكها الشعر الغنائي. هذا التنوع في الأجناس الأدبية يعكس شغفي بالتعبير والابتكار، ويتيح لي توظيف كل جنس أدبي بما يتماشى مع الفكرة التي أريد إيصالها.
ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها للأطفال والشباب ؟
أود أن أدفع الأطفال والشباب الى التفكير النقدي البناء. وأدعوهم إلى أن يكونوا أكثر وعيا بما يحيط بهم، وأن يحللوا الأمور بعقلانية وبدون تأثر بالعواطف أو المسلمات والقوالب الجاهزة. أشجعهم على أن يكونوا منفتحين على العالم من خلال مواكبة التغيرات التكنولوجية ولكن بوعي ودون خضوع، حتى لا يكونوا دمى في منظومة عملاقة وأن يفكروا جيدا في كل ما يستخدمونه.
كما أدعوهم أن يثقوا بقدرتهم على إحداث التغيير، بداية من أنفسهم، وأن يتمسكوا بالقيم والمبادئ الإنسانية ولا يتخلوا عنها. أود أيضا أن أذكرهم بأهمية عدم التعلق بالمادة وبظاهر الأمور والتركيز على جوهر الأشياء وعمقها والتفكر في كُنه الوجود وفي مستقبل الانسان وعلاقته بمحيطه الداخلي والخارجي.
رسالتي للشباب هي أن الكتابة والقراءة ليستا مجرد أدوات تعبير أو اكتساب معرفة بل هما سفينتا حرية تبحران بنا في الذات والعالم. من خلال الكتابة، يمكن المشاركة في بناء مجتمع أفضل. فالكتابة هي وسيلة لإحياء القيم والدفع للبحث عن الحقيقة في عصر تغلبه التفاهة وهو ما يساهم في تطوير الفكر الانساني من اجل اهداف سامية. أما القراءة، فهي بوابة لعوالم متعددة منها العالم الداخلي للقارئ فيكتشف اغوار نفسه وهو ما يدفعه الى مصالحة ذاتية والى تطوير شخصيته كما ان القراءة هي وسيلة لتنمية الفكر وتوسعة المدارك وكسب حس النقد البناء والقدرة على التمييز وقبول الاخر والانفتاح الذهني.
أقول للشباب أنتم مسؤولون على إعادة تشكيل المشهد الثقافي وتحقيق التغيير الإيجابي، والكتابة والقراءة هما أدوات ذلك وهما قوة ناعمة لمواجهة تحديات هذا العصر، فكل صفحة تقرؤونها تصنع فارقا في حياتكم وفي محيطكم.
تميلين الى أسلوب “الحكواتي” من خلال عرض قصة يمتزج فيها الواقع بالخيال. ألا ترين أنك قد دخلت إلى مغامرة قد تتطلب فيها بعض الحكايات تعبيرات عامية ؟
أسلوب مزج الواقع بالخيال يعزز التواصل مع القارئ بفضل طبيعته التفاعلية ويسمح لي بالإبحار في عوالم جديدة وابتكار طرق سردية جذابة، قادرة على تحفيز التفكير. بالنسبة لي، الأدب ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو أداة للتغيير والإلهام. النوع الأدبي الأقرب إلى توجهاتي الفكرية هو ذلك الذي يمزج بين الواقع والخيال والاستشراف.
في رواياتي، أجمع بين الواقعية من أجل تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والإنسانية بعمق وصدق، أشير من خلالها الى وقائع مستمدة مما نعيشه وبين الخيال العلمي من اجل تسليط الضوء على التطورات المستقبلية للإنسان وطرح تساؤلات حول المستقبل والتكنولوجيا. كما ان اعتماد الاستشراف في كتاباتي الروائية يمكن من تقديم تصورا للمستقبل مما يساعد على التفكير في التحديات التي قد تواجه البشرية والفرص التي تتاح لها.
من خلال هذا التنوع والمزج، أسعى إلى إيصال رسائل عميقة تدفع القراء للتفكير والتأمل، وتساهم في تطوير وعيهم وفهمهم للعالم من حولهم. في النهاية، أطمح إلى أن تكون كتاباتي جسرا يربط بين الخيال والواقع، محفزاً للتغيير الإيجابي والتفكير النقدي والتأمل في القضايا المعاصرة.
التعبيرات العامية تضيف بعدا من الواقعية والتقارب، وهو ما دفعني الى استخدام بعض الالفاظ باللهجة التونسية في رواية “نهابدا”، وذلك لجعل الشخصيات والأحداث في الرواية أكثر ارتباطا بالواقع وبوقائع وأحداث حقيقية. وهذه التقنية أو الأسلوب تمكّن القارئ من ربط احداث الرواية بأحداث واقعية لصيقة للقارئ التونسي.
كيف تروّضين اللغة كي تنسجم مع مخيلتك وتتحول إلى قصة لها أبعاد فكرية ؟
اللغة رفيق دائم، تعبر على ما يراود أذهاننا حسب ما ننقيه منها وننسقه. وتتطور لغتنا وتزداد ثراء وتتنوع تركيباتها ووسائلها عبر القراءة المستمرة والمتنوعة. واللغة التي أستخدمها عندما أكتب سلسة، أرنو من خلالها الى الوصول إلى مختلف شرائح القراء بتنوع مستوياتهم الفكرية والأكاديمية والمعرفية. ما يحركني للكتابة هو الفكرة، واللغة هي الوسيلة التي تغلفها وتجملها وتحملها من ذهني إلى ذهن القارئ. بقدر ما تكون اللغة جذابة وسلسة، بقدر ما تمر الفكرة بسلاسة إلى القارئ.
وقد وجدت نفسي مرتين أمام حدود اللغة، مما دفعني إلى ابتكار لفظين: “نهابدا” و”الفاضرضي”. ابتكرت هذه الألفاظ لأنني شعرت بحاجتي إلى تعابير تعكس معان لا تستطيع اللغة العربية التقليدية تصويرها بدقة.
أؤمن ان اللغة أداة حية تتناغم مع مخيلتي ويمكن اثراؤها وتجديدها، وهو ما يساهم في توسيع الآفاق الذهنية للقراء و في تحفيزهم على التفكير بطرق جديدة.
ماذا عن تجربتك في عالم الكتابة ؟ هل منطلقها بحث عن الذات أم عن نحت ذوات الآخرين؟
تجربتي في عالم الكتابة ليست بحثا عن ذاتي بقدر ما هي محاولة لإيصال رؤية ورسائل الى الآخرين من خلال السرد والحوار والشخصيات والاحداث التي أخلقها. أسعى إلى تمكين القارئ من إدراك الواقع من زاوية مغايرة. أحب أن أخلق عوالم خيالية تستند إلى الواقع، مما يفتح للقراء آفاقا جديدة للتأمل والاستكشاف. على سبيل المثال، في روايتي “نهابدا”، تناولت قضايا معقدة وموضوعات تتعلق بالصراعات الإنسانية والقوى التي تحاول التحكم في العالم مستخدمة شخصيات خيالية تعكس واقعا ملموسا ومستشرفة المستقبل لطرح تساؤلات حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع ومدى تحكمها فينا.
من خلال أعمالي، أهدف إلى تحفيز القراء على التفكير والتأمل وإعادة النظر في عدد من المواقف والمسلمات واهدف ايضا الى غرس القيم الإنسانية الكونية، مما يساهم في تشكيل ذواتهم وفهمهم للعالم بشكل أعمق والرفع من وعيهم الجمعي ودفعهم الى طرح الأسئلة والانفتاح على آفاق أوسع.
دافعي الأساسي في الكتابة هو الشعور بواجب التأثير الإيجابي على الآخرين وفي المجتمع. الكتابة بالنسبة لي هي وسيلة لغرس القيم الكونية والإنسانية وتحفيز القراء على التفكير والتأمل في قضايا مهمة وايضا على الغوص في اعماق النفس. أسعى أن تساعد كتاباتي القراء على تجاوز التفكير التقليدي والغوص في ذاته والانفتاح على أفكار وآفاق جديدة.