تحقيق استقصائي : آسيا توايتي
على الرغم من تأسيس هيكل للشرطة الجبائية باشرت أعمالها في جانفي 2018 ، بصلاحيات واسعة تتيح لها التقصّي حول أيّ عملية تهرب أو غشّ ضريبي محتملة ،لا تزال معضلة التهرب قائمة. إذ أنّ 31 بالمائة من المؤسسات تصرح برقم معاملات يساوي صفرا و15 بالمائة مؤسسات مصدرة كليا و10 بالمائة مؤسسات مصدرة جزئيا و44 بالمائة مؤسسات ناشطة قسرا بالسوق المحلية. وتعود الأسباب دائما إلى كثرة القوانين دون فائدة أمام عدم تطبيقها. وفق دراسة قامت بها بعثة من البنك الدولي شملت 54731 مؤسسة.
فشلت الحكومات المتعاقبة في القضاء على ظاهرة التهرب الجبائي وتبني المقترحات التشريعية التي تقدم بها جُلُّ الخبراء الجبائيين (أمثال لسعد الذوادي ومحمد الهدار وياسين بن اسماعيل وغيرهم) والتي كان من شأنها مكافحة التهرب والفساد في المجال الجبائي، حيث ضل الماسكون بالسلطة يصرون على عدم “جني” موارد الخزينة العامة من خلال تحصين المتهربين من دفع الضريبة إما من خلال التعقيدات القانونية وإما من خلال ضعف الرقابة على تبييض الفساد والتهرب الجبائي وغض الطرف عن الشركات المتهربة، بما ساهم في إعاقة التنمية وهو ما يؤيده الواقع التونسي.
إذ تتكبد الخزينة العامة للدولة 4.5 مليار دولار سنويا بسبب التهرب الجبائي وفق ما أفادنا به الخبير الجبائي ياسين بن اسماعيل، إذ تقدر المداخيل الجبائية ب23484 مليون دينار تونسي، وهي مداخيل تُمكٍّنُ من القضاء على الفقر والبطالة والمديونية الخارجية.
منظومة جبائية على المقاس
عدّد المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين برئاسة الخبير الجبائي لسعد الذوادي (الذي كان لنا معه محادثة هاتفية) مواطن الفساد في المنظومة الجبائية في خمسة وتسعين نقطة (95) أبرزها : “صياغة مشاريع قوانين المالية في إطار لجنة البرنامج الجبائي للرئيس بن علي، أين يتمكن بعض ممتهني المحاسبة من تمرير الأحكام المافيوزية التي حولت المؤسسة إلى بقرة حلوب ليتمكن من خلالها هؤلاء من منافسة المهن الجبائية والقانونية وملئ جيوبهم بكل الطرق والوسائل.” في هذا الإطار، نخص بالذكر الفصول 13 وما بعدها من مجلة الشركات التجارية وأمرها التطبيقي عدد 1546 لسنة 2006 وكذلك الأحكام الجبائية التي تشترط الانتفاع بحق أو بامتياز بمصادقة مراقب حسابات وهي أحكام لا نجد لها مثيلا بالتشريع الأوروبي مثلما هو الشأن بالنسبة للفصل 15 من مجلة الأداء على القيمة المضافة والفصل 23 من مجلة التسجيل والفصول 48 سابعا و 49 عاشرا و54 من مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات.
يضيف الخبير الجبائي لسعد الذوادي:” الغريب في الأمر أن يتم تقنين الرشوة والفساد ونهب المؤسسات الاقتصادية في إطار الفصل 18 من قانون المالية لسنة 2012 الذي شل اليوم مصالح المراقبة الجبائية من خلال إغراقها بمطالب استرجاع لا قبل لها بهذا الشيء الذي ساهم في تحصين المتهربين من دفع الضريبة وكذلك الفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 والفصل 47 من قانون المالية لسنة 2016.”
وفي الاطلاع على التقرير السنوي لهيئة مكافحة الفساد لسنة 2016 عثرنا على عينتان يمكن أن تكونا ابرز دليل على ضعف الإرادة في مكافحة الفساد والمحافظة على المال العام :
العينة أولى : شبهة فساد تعلقت برفع يد على الاعتراض دون سداد الدين لشركة على ملك المسمى(ع_ب_س)،وقد بلغ الدين موضوع الاعتراض 6مليارات و نحو سبعمائة و50 مليون دينار تونسي. ولم يتم خلاص الا جزء منه في حدود سبعمائة و خمسة و ثمانون مليون دينار تونسي.
الغريب في الأمر أنّ شركة ثانية على ملك ذات الشخص موضوع اعتراض جبائي نتيجة عدم خلاص دين لفائدة الدولة بلغت قيمته ما يفوق 12 مليار ، ولم يتم خلاص غير جزء منه في حدود ما يفوق مليار واحد ، الى غاية تاريخ 7ماي 2015 على أنه تم الإذن برفع اليد على الاعتراض الجبائي رغم الفارق الشاسع بين المبلغ الذي تم خلاصه والمبلغ المطلوب.
يذكر أنه تمت إحالة الملف على المحكمة الابتدائية بتونس في 27 ماي 2016، ليتعهد به قلم التحقيق لكن حتى الآن ما من تطورات في الموضوع.
وفي لقاء بالسيد ياسين بن إسماعيل،صاحب دكتوراه في الهندسة المالية وإطار سابق بالبنك المركزي، قال: “إنّ الضريبة خلافا لتعريفاتها العلمية “شبح ٌ، على الأقل في تونس..”
تشير تقديرات دولية إلى أن نسبة التهرّب الضريبي في تونس هي من أعلى النسب في العالم، باعتبار أن ميزانية الدولة تخسر سنوياً ما يوازي 6% من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
إذا نحن إزاء إشكالين حقيقييين أولا ” في ما يتعلق بالهيكلة على مستوى المنظومة الجبائية: نعلم أن نسبة 70 % فما فوق هي نسبة جباية غير مباشرة و نسبة 30% فحسب هي جباية مباشرة في هذه الأخيرة 80% يدفعها الأجير مما يعني 20% فحسب هي مقدار من الجباية على أرباح المؤسسات الاقتصاديةimpôt sur bénéfices .
و لأنّ المؤسسات عموما والكبرى خاصة، تضطلع بدور هام في النسيج الاقتصادي من حيث تمويل ميزانية الدولة. فإنّ الرقابة عليها تكتسي أهمية كبرى لكن كيف يمكن تفعيل هذه الرقابة مع وجود تعقيدات قانونية، خصوصا إذا كان أغلب من يشرفون على سنّ القوانين رجال أعمال ؟
11 بالمائة من إجمالي نواب المجلس هم رجال الأعمال
التقينا السيد فيصل التبيني نائب بمجلس نواب الشعب، كان تقدّم بأسئلة كتابية، لوزير المالية رضا شلغوم، حول ضرورة مراجعة المنظومة الجبائية والتأكيد على استشراء الفساد وتبيض التهرب الجبائي، يقول: “سنعدّل اليوم قانون من أين لك هذا؟ ” و سيصوت عليه رجال الأعمال؟ هل سيكون هؤلاء محايدون؟ هل سيصوتون لصالح الشعب أم لصالحهم الخاص؟ أم لصالح أحزابهم ؟ أغلب النواب هم نواب النداء والنهضة الحزبان الحاكمان؟ برأيكم كيف سيخدمون المنظومة الجبائية ؟”.
ويضيف:” نعيش اليوم نظاما مافيوزيا بأتم معنى الكلمة، نأخذ مثالا على ذلك قانون المصالحة أليس قانونا مافيوزيا؟ هل أنك إذا تصالحت مع رجال الأعمال الذين نهبوا أموال الشعب، تكون بذلك حافظت على الموارد المالية للدولة ؟”.
ويقول: “إنّ المتهرب من دفع الضرائب هو ذاته من يمول الأحزاب السياسية لتمرير قوانين على مقاسه ليس في مجال الجباية فحسب إنما أيضا في مجالات أخرى عديدة ‼
مع احترام النزهاء من القضاة، يساهم البعض الآخر في انتشار ظاهرة الفساد عبر تسامحهم مع المتهربين جبائيا.”
ثم يوضح : “إذا أردنا الحديث عن العدالة الجبائية، نستذكر مثالا أن العديد من رجال الأعمال تعهدوا ببعث مشاريع تنموية بالجهات الداخلية مقابل ما عليهم من ديون ، هل تحققت تلك المشاريع ؟ أبدا لا ..
هناك تسويات تجري تحت الطاولة، لبيع قضايا ومديونية جبائية والمتضرر هي الدولة. القوانين موجودة و لكن ما ينقص هو تطبيقها ، كان علينا تطبيق القوانين على الجميع بعدل و دون استثناء .
لماذا تم التسامح مع أصحاب النزل والمؤسسات السياحية أثناء عملية بسوسة، وكأننا بالحكومة لا تريد الحفاظ على أموال الشعب ؟ “.
أصناف التهرب الجبائي
يعرف السيد اسكندر السلامي عضو كنفدرالية المؤسسات المواطنة، التهرب الجبائي “بالتملص من الواجب المتعلق بدفع الأداءات وذلك بالتصريح المغلوط بالمداخيل وأرقام المعاملات والأرباح سواء بالإنقاص فيها أو بعدم التصريح بها وتعمد إخفائها.
ويقسم السلامي المتهربين ضريبيا إلى صنفين :
-صنف أول : وهم المنتصبين وفق الصيغ القانونية، غير أنهم يقومون بإيداع تصاريح منقوصة أو مغلوطة أو يتخلفون عن القيام بها أو يفتعلون وضعيات قانونية قصد الحصول على امتيازات وإعفاءات جبائية بغير وجه حق .
-صنف ثان: يتعلق عادة بمتهربين ، لا يصرحون بنشاطهم رغم أنهم ملزمون بذلك طبقا للقانون وهم في اغلبهم من مكونات الاقتصاد الموازي ومن المهربين ومن الموظفين الذين يمارسون أنشطة خاصة خاضعة للأداءات ولا يصلحون بها.”
ضرورة مراجعة النظام التقديري بالنسبة لمختلف الأنشطة
ينضوي أشخاص طبيعيين (من تجار ومسدي خدمات) تحت النظام التقديري، رغم عدم توفر الشروط القانونية اللازمة لذلك. وهو ما يجعله ملاذا للعديد من المتهربين لعدم شفافيته ولبساطة إجراءاته حيث يعمد الأشخاص الطبيعيون إلى التنقيص من أرقام معاملاتهم قصد البقاء في هذا النظام والإفلات من دفع الأداءات طبقا للنظام الحقيقي والتهرب من دفع الأداء على القيمة المضافة.
هذا زيادة على الضرر الذي تتكبده الخزينة من خلال التهرب من دفع الأداءات فإن المستفيدين من هذا النظام يتسببون في الإخلال بقواعد المنافسة النزيهة نظرا لعدم تحملهم نفس الأعباء الجبائية المحمولة على منافسيهم المنضوين تحت النظام الحقيقي.
تتمثل الضريبة التي يتحملها الأشخاص المنضوُون تحت هذا النظام في نسبة مئوية تقدربــ 3% تحتسب على رقم المعاملات الذي يحققه الشخص وقد حضي هذا النظام بعديد النقاشات باعتباره يأوي العديد من المتهربين بحسب ما جاء في مداخلات العديد من نواب مجلس نواب الشعب خلال النقاش حول قانون المالية و ظاهرة التهرب الجبائي.
و للذكر، يخص النظام التقديري للضريبة، الأشخاص الطبيعيين الذين يمارسون نشاطا تجاريا أو صناعيا أو يسدون خدمات والذين يحققون رقم معاملات لا يتجاوز 100 ألف دينار.
إضافة إلى ذلك، فإنّ النظام التقديري في مادة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين المخصص للمهن الحرة يتمثل في احتساب الدخل الخاضع للضريبة بطريقة جزافية إذ يحدده القانون ب20% من المقابيض الخام. ويمكن هذا النظام من الإعفاء من الالتزامات المتعلقة بمسك محاسبة قانونية مما يجعله غير شفاف إذ يمكن الأشخاص المنضوين تحته من إخفاء حقيقة مداخيلهم دون أن يكونوا ملزمين بالتقيد بالواجبات الجبائية والمحاسبية التي يحملها القانون على المنضوين تحت النظام الحقيقي.
في محاولات معالجة ظاهرة التهرب الجبائي
يعتبر محدّثنا،السيد اسكندر السلامي “جميع الإجراءات التي تهدف إلى الحد من التهرب الجبائي تركزت على التشريع حيث أخذت شكل تنقيحات لأحكام مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات ومجلة الأداء على القيمة المضافة ومجلة الحقوق والإجراءات الجبائية وذلك بالحد من مدة التمتع بالنظام التقديري وحرصه في قائمة معينة من الأنشطة والتضييق على المنتفعين به وحصرهم في المناطق الخارجة عن المناطق البلدية.”
كما أنها عززت، في رأيه “من الالتزامات الجبائية المحمولة على أصحاب المهن الحرة ودعمت صلاحيات مصالح مراقبة الأداءات في المراقبة بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة برفع السر البنكي ومقاومة التهريب وتوسيع نطاق التصاريح الإلكترونية وغيرها من النصوص القانونيه”.
إنّ الزخم التشريعي لم يواكب، في رأيه،” أي تطوير أو تعصير لعملية المراقبة والتي ضلت غير مواكبة لتطور المعاملات من جهة ولما يشهده العالم من تطور تكنولوجي فضلت المنظومة الإعلامية لمصالح مراقبة الأداءات ولمصالح المحاسبة العمومية غير قادرة على تفعيل الصلاحيات الممنوحة لمصالح مراقبة الأداءات ولمصالح المحاسبة العمومية والاستخلاص. فنتج عن ذلك محدودية دور المراقبة الجبائية في التفطن إلى وضعيات التهرب الجبائي نظرا لعدم تمكنها من الاستفادة من المعطيات الموجودة ضمن المنظومات الإعلامية للدولة وغياب برمجيات وتطبيقات ذكية تعمل بصفة آلية ومستقلة على تحليل ومقارنة المعطيات بالإضافة إلى انفصال المنظومة الإعلامية على المنظومات الإعلامية لوزارات أخرى على غرار وزارة الداخلية حيث لا يمكن لمصالح المراقبة والمحاسبة العمومية أن تتفطن الى التدوين الخاطئ لأرقام بطاقات التعريف عند تسجيل العقود نظرا لعدم ربطها بقاعدة بيانات التعريف الوطني.”
ويؤكّد، أنه بالإضافة إلى ذلك “إن مصالح مراقبة الأداءات لم تتوجه إلى المتهربين من خلال العمل الميداني مما يجعل من المتهربين في حالة إفلات دائم من العقاب.”
ويعتبر السلامي، أنه، وفي غياب وسائل عصرية “يشكك العديد في موضوعية المراقبة باعتبارها تقتصر على الأشخاص والمؤسسات التي لها معرفات جبائية والتي تقوم بواجباتها الجبائية وتتجنب المهربين المتهربين والذين لا يمكن التفطن إليهم إلا من خلال العمل الميداني أو من خلال تحليل المعطيات والبيانات.”
وللتوضيح:” تستوجب الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين على كل شخص طبيعي يقيم عادة بالبلاد التونسية. ويخضع الأشخاص غير المقيمين للضريبة على الدخل بعنوان مداخيلهم الناشئة بالبلاد التونسية”.
الرقابة الجبائية على المؤسّسات الكبرىّ
تضطلع المؤسسات الكبرى والمتوسطة بدور مهم في النسيج الاقتصادي من حيث دفع الاستثمار والتصدير والتشغيل وتمويل ميزانية الدولة عبر الأداءات المباشرة وغير المباشرة. وتكتسي الرقابة الجبائية على هذه المؤسسات أهمية خاصة بالنظر إلى مخاطر الغش والتهرب الجبائي المرتبطة بهذا الصنف من المؤسسات وضرورة التصدي لها.
وتم بموجب الأمر عدد 49 لسنة 2008 تكليف إدارة المؤسسات الكبرى بالتصرف في الملفات الجبائية لصنف من المؤسسات باعتبار خاصة قطاع نشاطها أو أهمية رقم معاملاتها. وضبط الآمر عدد 802 لسنة 2008 مجال وشروط تدخل هذه الإدارة حيث ترجع لها بالنظر كامل المؤسسات الناشطة في القطاع المالي وقطاعات المحروقات والاتصالات والإسمنت والمناجم وكذلك المؤسسات التي تحقق رقم معاملات سنوي خام يساوي أو يفوق 10 مليون دينار تونسي، والمتواجد مقرها الاجتماعي بولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة . وفضلا عن إسداء الخدمات الجبائية للمؤسسات الكبرى الراجعة لها بالنظر، عهد لهذه الإدارة القيام بأعمال الرقابة الجبائية عليها.
أعوان “كثر “لكنهم قليلون مقارنة بحجم المسؤوليةǃ
يبلغ عدد أعوان إدارة المؤسسات الكبرى 46 عونا في موفى سنة 2014، مقابل 1766 من المؤسسات المندرجة في مجال تدخلها خلال سنة 2014 وسنة 2015 . وهو ما يعد ضعفا كبيرا في عدد المراقبين فكبيرة هي المسؤولية المنوطة بعهدة هؤلاء .
شهادة عينية من مراقب جبائي:
يقول م.ج (مراقب جبائي طلب عدم ذكر معطيات شخصية حوله ما عدى الاسم ) : ” أذكر أنني كنت في مكتب رجل أعمال معروف صحبة مراقبيْن آخريْن، دققنا في كل الملفات، قدم لنا الرجل عصيرا باردا و كان هادئا إلى أبعد حد وكأنه متأكد أننا حتى وإن وجدنا ملفات متعلقة به، لن يضره ذلك في شيء….”
ويضيف :”أما المردود المالي لمختلف تدخلاتنا فهو 244 مليون دينار تونسي،في سنة 2014 . وأسندت هذه الإدارة خلال نفس السنة 25.464 شهادة لفائدة منظوريها. ” لكن ما الفائدة من هذا المردود إن كان العمل كمراقب يثقل كاهلنا ّإلى الحد الذي يجعلنا أحيانا نفكر في قبول رشوة هذا وذاك(وهذا غير مقبول) وتجاوز ما ورد في تقاريرنا حول أخطاءه.”
ويصرح: “بلغت نسبة إيداع التصاريح الجبائية لدينا بعنوان سنة 2014 ما يناهز 73.56 % في خصوص الضريبة على الشركات و93 % في خصوص الأداء على القيمة المضافة وذلك إلى غاية شهر جويلية 2015.”
ثم يواصل :” بالفعل، وجدنا عديد القرائن التي تثبت تهربه وكتبنا تقريرنا ومررناه إلى مدرائنا و لكن ما راعني إلا وقد تم استدعائي إلى المحكمة على اعتبار أنني ظلمت الرجل و ألفقت به تهما لا تليق وجدت نفسي مذنبا بعد أن كنت على حق.. مع احترامي للنزهاء من القضاة.. لا أفهم كيف حصل ذلك..”
في اليوم الموالي اتصل بي مهدي يطلب مني أن لا أنشر ما ذكره، وبعد محاولات تطمينية له، قال لي بالحرف: “إذا سأضيف هذه المعلومة، كثيرا ما يتصل بي مسؤولي في العمل ليقول لي لديك ملف فلان، أجيب نعم، فيقول لي اتركه جانبا ..” أي لا تبدأ في العمل عليه .. هذا علاوة على الامتيازات الجبائية الممنوحة.”
يذكر أنه تم في أواخر سنة 2014 إحداث خلية مراجعة معمقة صلب إدارة المؤسسات الكبرى لمساندة مجهود وحدة المراقبة الوطنية والأبحاث الجبائية في مجال المراجعة المعمقة بالنسبة إلى المؤسسات التي تتقدم بمطالب استرجاع فائض الأداء. وتستأثر الشركات الراجعة بالنظر إلى إدارة المؤسسات الكبرى بالجزء الأوفر من حجم:
– الامتيازات الجبائية الممنوحة على الصعيد الوطني والبالغ معدلها السنوي خلال الفترة 2008ىقيمته 8.522 مليون دينار تونسي، لتمثل المصاريف الجبائية بهذا العنوان خلال نفس الفترة ما معدله 22,62 % من جملة الموارد الجبائية لميزانية الدولة و 5,59 % من الناتج الداخلي الخام.
ارتفع حجم الامتيازات الجبائية الممنوحة في مستوى إدارة المؤسسات الكبرى إلى ما قيمته 220 مليون دينار، خلال سنة 2009 وهو ما يمثل نسبة 55,96 % من جملة هذه الامتيازات الممنوحة على المستوى الوطني وذلك دون اعتبار الامتيازات بعنوان التوريد.
مقترحات مستجوَبينا لمعالجة المنظومة الجبائية
يجمع أغلب من قابلناهم من خبراء جبائيين ومراقبين وغيرهم، على أنّ معضلة المنظومة الجبائية في تونس هي بالأساس متصلة بالجانب القانوني.
يقول الخبير ياسين بن اسماعيل :” حبذا لو نتخلص من التدخل البشري بحيث لا نحتاج إلى أوراق وتمر كلها عبر المنظومة المرقمنة إذ أنّ نسبة الفساد الكبيرة تأتي من جهة بعض موظفي إدارة الجباية وإطاراتها وأعوانها وهذا إشكال كبير في التهرب الجبائي و إشكال كبير جدا في الفساد فثقافة الغنيمة تغلب ثقافة الجباية المواطنة”.
ثم يستدرك قائلا : ” إن النظام الجبائي التونسي هو نظام متطور نظام تصريحي و هو ما يجعله متطلبا لثقافة مواطنة متقدمة جدا، فهناك تناقضات كبيرة على مستوى ما يسمى بالعقيدة القانونية (La doctrine)، أي الجانب الترتيبي للإدارة الذي يضم كل القوانين.”
يفسر محدثنا فيقول : “مبدأ قانونية الجباية مخترق بصفة رهيبة جدا في تونس بمعنى هناك خطأ قانوني رهيب يتمثل في أن النص الترتيبي للإدارة يفوق و يتناقض ويزيد ويضيف على النصوص التشريعية المطالب بها لأن الجباية لها مبدأ شرعية الجباية إذ في بعض الأحيان تجد أن القانون يقول شيء ولكن التطبيق على مستوى النص الترتيبي في إدارة الجباية يخالف تماما وهذا خطر لابد من التنبيه إليه .”
يقول محدثنا مصرا على التفسير :” إنّ 90 % من الإشكالات تشريعية مقدَّرة، يمنع منعا باتا توظيف ما يسمى بالأداء على القيمة المضافة التي هي جباية غير مباشرة لماذا؟
لأن هذه الجباية المباشرة يدفعها المستهلك الأخير وبالتالي تصبح قيمة مضافة مدفوعة الأجر TVA Rémunéré أي أنها تضاف إلى تكلفة المنتوج والخدمة وبالتالي تتسبب في التضخم المالي وفي ارتفاع الأسعار.
أما بالنسبة للمؤسسة الاقتصادية فإنّ نسبة الجباية قليلة جدا وليس هناك عدالة جبائية لأنها محايدة تجمع الضرائب TVA Collecté و تنقص TVA Déductible و تقوم بالتصريح ويدفعها المواطن .
وبالتالي فإن بلدا تنقصه العملة ويشغل جهاز الإنتاج في حدود 10 % يوظف عليه الأداء على القيمة المضافة “جرم رهيب” وأكبر عائق أمام التنمية هذا فيما يتعلق بالهيكلة على مستوى النظام الجبائي التونسي الحالي والمستقبلي طالما لا يوجد أي حزب سياسي أو مسؤول في الإدارة التونسية أو في الحكومة التونسية يتنبأ بهذه الخطورة التي هي خطورة رهيبة يلاحظها الغرب ويسخر منا”.
رجل الأعمال، رجب اللومي:” الضغط كبير على الشركات”
اعتبر رجل الأعمال، رجب اللومي خلال لقاءنا به أنّ “الضغط كبير على الشركات التي تقوم بدفع أداءاتها “موضحا:” هذا غير معقول ولكن على الدولة الذهاب إلى الأشخاص الذين لا يقومون بدفع الضرائب لأنهم موجودين بكثرة وهم في كل مكان فإذا ذهبت إلى السوق ستراهم، سلعة لا نعلم مصدرها، مهربة تضر بالبلد”.
ثم يضيف “: التهرب الجبائي يمكن تجاوزه بالمراقبة و تطوير الإدارة والإعلامية وأيضا يمكن جلب هؤلاء الناس بان تكون الجباية عادلة .”
إنّ الإصلاح الجبائي مطمحنا نحن رجال الأعمال كما هو مطمح الخبراء و المحللين الاقتصاديين وغيرهم، و لكن يبقى الدور للدولة في الإحاطة بكل هذا ..”
منذ سنوات طويلة ينادي الخبراء بضرورة معالجة المنظومة الجبائية ولكن لا أحد يستمع إليهم، ومنذ الثورة تقريبا، يقدم الخبراء والمحللون وجهات نظرهم حول التعقيدات القانونية لكن المعنيين بإعادة النظر في هذه المنظومة لا زالوا مترددين على الأرجح.
إنّ إرساء عدالة جبائية وعدم الضغط على شركات دون أخرى وعدم تمييز رجل أعمال على آخر”، مطمح رجل الأعمال رجب اللومي. ولكن” الحرص على تطوير الإدارة والرقابة والقوانين والتشريعات وجعلها ناجعة هو ما يحد من التهرب الجبائي ومن الضغط الجبائي على الشركات، بحسب رأيه.
أما الدكتور ياسين فهو متمسك برقمنة الإدارة المالية للجباية وإلغاء التعقيدات القانونية ووضع جميع القوانين في مجلة واحدة وكذلك إرساء مبدأ الشفافية ومبدأ النفاذ للمعلومة وحوكمة إدارة الجباية وقد قال بحرف واثق من قدراته :”مستعد للتطوع و تقديم الآليات التقنية والعملية لذلك…