قرأت أسود على أبيض (ومازلت لا أصدق) أن قاضي التحقيق اتخذ قرار إيداع مدير موزاييك السجن "على خلفية استعمال الخط التحريري لموزاييك للإساءة لأعلى هرم للسلطة ورموز الدولة وتأجيج الوضع في البلاد".
مازلت لا أصدق لأن هذا يعني سقوط مقولة أنه لا مساس بحرية التعبير في هذا العهد السعيد. فحين لا يوقَف الصحفي لكن يوقف بدلا عنه مدير المؤسسة الإعلامية فهذا ليس له إلا معنى واحد وهو جعل مديري المؤسسات الإعلامية يقومون هم بالدور الذي ليس من مصلحة السلطة أن تقوم به هي: تكميم أفواه الإعلاميين وتكسير أقلامهم.
أنا مازلت لا أصدق. وربما هو كابوس داخل كابوس مازلت لم أخرج منه!
ولكن لأن الحقيقة كروية الشكل لا يمكن إدراكها من زاوية نظر واحدة، ألاحظ لبعض الإعلاميين في موزاييك وغيرها أني يمكن أن أوافقهم في أن السلطة الحاكمة دخلت في مرحلة جنون، لكنه جنون يمكن تفسيره حين نستحضر نوعية الخطاب اللاأخلاقي واللاإنساني الذي يتوجه به هذا البعض إلى رأس السلطة.
فهل يعقل أن نقول عن رئيس الدولة "هذا الشيء".. و"يكذب"..وغيرهما من العبارات النابية حتى ونحن نتحدث عن حقائق لا يحتلف حولها اثنان؟
"الله غالب" أيها الإعلاميون" إن تجدوني أكتب ما قد تعتبرونه تبريرا لما يحدث (وهو ليس كذلك أبدا) والسبب أسباب:
أولها كوني مؤمنا حتى النخاع بأن الحرية مسؤولية أو لا تكون..
وثانيها كون المسؤولين في الدولة يمثلون مؤسسات ينبغي احترامهم عند الحديث عنهم..
وثالثها كوني خرّيح مدرسة الثلاثين سنة التي سبقت 14 جانفي في الصحف المستقلة والمعارضة. وقد تعلمت فيها كل فنون اللياقة في التعبير للدفاع عن قضايا الحريات والديمقراطية حتى لا أجد نفسي تحت طائلة القانون.وقد أمكن لي – على سبيل الذكر لا الحصر- اتهام الراحل محمد الصياح عام 1980 بمسؤوليته عن 26 جانفي 1978 في مقال بالفرنسية ترجمته "الجريمة والعقاب"-Crime et châtiment- دون أن ينالني أي مكروه لسبب وحيد وهو أني لم أسبّ ولم أشتم.
وأتحدى أيا كان أن يقول عن الرئيس قيس سعيد وله أكثر مما ما فتئت أقوله بكل مرارة لكن أيضا -وخاصة- بكل ما يلزم من احترام لمؤسسة الرئاسة.