في إطار التظاهرة الثقافية “مسرح 100 كرسي”، احتضن فضاء مسرح كورتينا بالقلعة الكبرى اليوم الجمعة 19 أفريل 2024 اختتام الدورة الثالثة من الملتقى العلمي التكويني لتنمية قدرات الأطفال حاملي الإعاقة الملتئم بالشراكة بين هذا الفضاء الذي يديره المخرج المسرح محمد علي سعيد ومركز النهوض بالمعاقين بالقلعة الكبرى بادارة دلندة بن ساسي. وقد خُصٍّص اليوم الختامي لندوة علمية بعنوان “تنمية قدرات أطفال التوحد باستخدام الفنون”.
لعلّ ما ميّز هذا اليوم الختامي الذي خُصِّص للاجابة عن سؤال ” أي دور للفنون في تطوير قدرات أطفال التوحّد؟”، وهو محور الندوة العلمية الملتئمة، فضلا عن المشاركة المكثّفة لمسيري مراكز تاهيل أصحاب الاحتباجات الخصوصية والمربين والمدربين والمشرفين على بعض رياض الأطفال وكذلك بعض الأولياء، هو مشاركة أخصائيين أكْفاء راكموا كما هائلا من التجارب في مجال اختصاصهم وساهموا في بثّ ثقافة الأمل في نفوس الأولياء وكذلك المدرّبين من خلال سرد تجارب مٌلهِمة وفعّالة في التعامل مع ظاهرة طيف التوحّد.
نحو نحت شخصية متفاعلة لطفل التوحّد
تعتبر الاستاذة فاتن المساكني المختصة في العلاج بالنحت والرسم خلال مداخلة بعنوان “العلاج بالفنون : مفاهيم ووظائف” أنّ العديد من الدراسات والبحوث أكدت نجاعة العلاج بالفن وخصوصا الفن التشكيلي بالنسبة إلى الأطفال المصابين بطيف التوحّد”. وتعتبر الأستاذة المساكني التي نجحت في مراكمة تجارب عديدة طيلة الخمس سنوات التي قضتها في الاشتغال على هذا المبحث الهام أنّ “الفن، اضافة الى اعتباره وسيلة تطهيرية هو أيضا وسيلة تساعد على معالجة المشاكل الاتصالية لدى الأفراد عموما”. وترى المحاضرة أن الفن يعمل على إيجاد علاقة اتصالية بين الفرد والقطع الفنية (الورقة، المنحوتة أو الخامة التي يتم تقديمها للمعني بالأمر) ثم تتسع الدائرة الاتصالية شيئا فشيئا لتشمل “البيئة المحيطة به سواء كانت أشياء أو أفرادا).
وعلى ذلك تعتبر الأستاذة المساكني أن الأنشطة الفنية هي من أهم الأنشطة التي تساعد أطفال التوحّد على “تنمية إدراكهم الحسّي مثل البصر (من خلال إدراك الألوان والخطوط والمسافات والأبعاد والحجم) أو اللّمس (عن طريق ملامسة السطوح والخامات المتعددة)”. ومن ثَمَّ ترى المحاضِرة أن الفن التشكيلي هو الوسيط الناجح في علاج الاضطرابات المختلفة التي يعانيها المنتسبون الى هذه الفئة المجتمعية.
وفي هذا الإطار دعت الأستاذة فاتن المساكني، التي أشرفت على عدة ورشات تكوينية لفائدة المربّين والأولياء خلال اليومين الأولين لهذا الملتقى، إلى “ضرورة اتباع استراتيجية تأهيلية وعلاجية للأطفال المعنيين ذات أهداف واضحة ومحدّدة تنطلق من تجربة الطفل في تحسّس الألوان ولمس الأشكال عبر الممارسة أو التفاعل الجسدي”.
ولبلوغ هذه الأهداف دعت المتدخِّلة العاملين على العلاج بالفن التشكيلي الى ضرورة إرساء بيداغوجية ملائمة مثل “Pédagogie explicite” وهي طريقة تنبني على التعرف على قدرات الطفل في مرحلة أولى ثم الكشف عن المشكلات التي يعاني منها وذلك بهدف مساعدته على التكيّف معها. كما تعتمد هذه الطريقة على “معرفة درجة نموّ قدرات الطّفل المصاب بالتوحّد في المجالات الإدراكيّة والحسّية والقدرات الحركية والاجتماعية وقدرته على الاتصال بالمرافق وبالعالم المحيط به”. ولذلك تقترح المحاضرة، عبر المتابعة دقيقة للطفل من خلال معرفة طريقة ممارسة اللعب وطريقة التعبير عن مشاعره من خلال الملاحظة المباشرة لطرق ممارسة هذا الطفل للنشاط في الرسم أو التشكيل الخزفي أو القص أو الطيّ أو اللصق، تخصيص ملف خاص لكل طفل أو لكل حالة على حِدة يتم فيها تجميع مجمل الاختبارات التي قام بها الطفل وذلك قصد تبويب هذه الحالات ومتابعتها بمعزل عن بعضها البعض بالنظر الى أن حالات الاصابة بطيف التوحّد تتفاوت من طفل لآخر.
وتعتبر المساكني مرحلة تشخيص قدرات الطفل ومهاراته الفردية مرحلة مهمة في عملية العلاج وهي خطوة تسبق انطلاق مرحلة تنفيذ النشاط الفني. ومن المهم بحسب الأخصائية في المعالجة بالفن التشكيلي أن يقوم المدرّب أو المرافق قبل إخضاع الطفل لبرنامج النشاط أن يقوم بتنفيذ هذا النشاط بينه وبين نفسه للتأكد من واقعية وجدوى هذه العملية مع التأكيد على أهمية عملية التدرّج في هذا الجانب المبني أساسا على تصوّر واقعي وعملي مع السعي الى تجزئة هذا النشاط لضمان تفاعل أكثر مع الطفل وذلك من خلال احترام خصوصيته ووظائفه الدماغية. من ذلك مثلا ما تم اعتماده خلال الورشات التكوينية من عملية قولبة بالصلصال أو الطين حيث يتم تقسيم هذه المادة إلى قطع صغيرة والاشتغال على الأشكال لتمكين الطفل من إدراكها والتعرّف عليها شيئا فشيئا وبطريقة تصاعدية. ومن ثَمّ تمكين هذا الطفل من التفاعل بينه وبين العمل الفني المنجز وبينه وبين المؤطر أو المرشد مما يساهم في بناء الثقة بين الطرفين وهي مرحلة مهمة في عملية العلاج.
وفي سياق متّصل دعت الأستاذة فاتن المساكني المؤطرين والمشرفين على مرافقة هؤلاء الأطفال الى تفحّص ملفاتهم الطبية بشكل دقيق وتكثيف التواصل مع أوليائهم باعتبارهم الشركاء المهمين في هذه الخطة التأهيلية والعلاجية التي ترمي إلى تعليم الطفل طرق التواصل مع البيئة المحيطة والخروج من حيز التفاعل الذاتي أي مع نفسه الى التفاعل مع المحيط الخارجي مثل الأصدقاء المحيطين به.
الموسيقى من أجل تعزيز الصحة العقلية والجسدية والعاطفية والروحية لطفل التوحد
وإذ تعتبر الأستاذة فاتن المساكني أن الهدف من العلاج بالفن التشكيلي يختلف عن مادة التربية التشكيلية إذ ليس الهدف هو البحث عن الجدوى الفنية تحديدا أو تدريب الطفل على أن يكون فنانا تشكيليا وإنما تدريبه على الاندماج في المجتمع، فإن الدكتور وسيم جمعة المختص في علاج طيف التوحد بالموسيقى يعزز هذا التصور معتبرا أن الغاية من خلال تشريك طفل التوحّد في عملية المصاحبة التعليمية الموسيقية أو الفنية بمختلف أشكالها هي خلق نوع من التفاعل والتجاوب بينه وبين المحيطين به وبالتالي فالغاية الأساسية غاية علاجية وليست فنية أو تعليمية.
وفي تحديده لمفهوم العلاج بالموسيقى اعتمد المحاضر على تعريف “جمعية كيبيك للعلاج بالموسيقى” التي تعتبره “الاستخدام الحكيم للموسيقى وعناصرها بواسطة معالج موسيقي مرخص، لتعزيز الصحة العقلية والجسدية والعاطفية والروحية والحفاظ عليها واستعادتها”. وبحسب هذا التعريف المعتمد فإن “للموسيقى خصائص غير لفظية وإبداعية وتركيبية وعاطفية ويتم استخدام هذه الخصائص في العلاقة العلاجية لتسهيل الاتصال والتفاعل ومعرفة الذات والتعلّم والتّعبير عن الذات والتواصل وتنمية الشخصية”.
ومن بين أهداف العلاج بالموسيقى بحسب المحاضر (الذي أشار إلى أن كلية الطب بسوسة ستشهد قريبا تخرّج أول دفعة تضم 55 معالجا بالموسيقى) المحافظة أو تحسين وتنمية الصحة الجسدية والنفسية للمستفيد وفتح قنوات جديدة للتواصل وتحفيز ملكات الخلق والابتكار بالاضافة الى تطوير القدرات المعرفية.
ويرى الدكتور وسيم جمعة خلال المحاضرة التفاعلية التي قدمها والتي ضمت عرض العديد من مقاطع الفيديو تقدم نماذج وتجارب تعليمية تمتع بها أطفال من ذوي طيف التوحد في دول مختلفة، أن “مجرد تفاعل الطفل مع ما يُقدَّم له من تدريب يعتبر مكسبا في حد ذاته”. وعلى ذلك فإنه من غير المهم البحث عن طبيعة الآلة الموسيقية وإنما الأهم هو “فتح قناة التواصل بين المعالج وبين الطفل قبل تطوير التجربة العلاجية”.
ويعتبر الدكتور جمعة أن أغلب المناهج والدراسات العلاجية اتفقت على استعمال تقنيتين للعلاج بالموسيقى وهما العلاج النشط (thérapie active) و(thérapie réceptive). وبخصوص هذا النوع من العلاج الذي يتم تطبيقه على الأطفال المصابين بطيف التوحد فإن الهدف من اعتماد هاتين الطريقتين هو تحسين التواصل والتفاعل الاجتماعي لديهم وتعزيز تركيزهم وانتباههم وتقوية الانفتاح العاطفي والتعبير عن المشاعر وتحسين التنظيم الحسي والحركي.
ولعلّ من مزايا هذه المحاضرة التي قدمها الدكتور وسيم جمعة هو العودة الى نشأة مفهوم العلاج بالموسيقى أو الاعتقاد فيح حيث يعود الاعتقاد في القدرات العلاجية بالموسيقى بحسب المحاضر الى اليونان القديم من ذلك أن الإغريق آمنوا بقدراتها السحرية وأثرها في النفس والجسد معا ولأجل ذلك اهتم عدد من فلاسفة الإغريق وعلمائهم بهذا الفن وطوروا استعمالاته الطبية. كما أن تمظهر هذا النوع من العلاج كان جليا في الحضارة الإسلامية حيث كان أبو بكر الرازي هو رائد المدرسة العلاجية وهو الذي كان يدعو مرضاه إلى حلقات علاجية بالموسيقى. كما عرّج المحاضر خلال مداخلته إلى الأهمية التي حظيت بها الموسيقى في تونس حيث كان مستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة يسمى بمستشفى العزّافين نظرا لوجوده بنهج العزّافين اضافة الى وجود مسجد يطلق عليه هذا الاسم.
مختبر إرادة : تجربة رائدة في إدماج اضطراب التوحد باستخدام الفن المسرحي
من جانبه يرى الأستاذ زهير بن تردايت، الباحث والمختص في العلاج بالمسرح ومديرهذا اللقاء العلمي أن المسرح، هذا “النشاط الفني الكامل والمتكامل الذي يشمل بقية الفنون ويستوعبها” يقوم أساسا على الفعل وهو عكس العجز والتسليم على ذلك من المهم بالنسبة له أن يتبنى المشرفون على تأطير الأطفال ذوي طيف التوحّد هذه النظرية “وتحويل الطفل في مرحلة موالية الى فاعل”. وبالعودة الى أصل أو مفهوم المسرح الذي كان يصطلح عليه بـ”الدراما”، يرى بن تردايت أن الأنشطة المسرحية هي “كل نشاط يعتمد المبادئ الأساسية للدراما بأقسامها الثلاثة : تراجيديا وكوميديا وملحمة”. ويقصد بالمبادئ الأساسية بالنسبة لزهير بن تردايت “الوضعيات والشخصيات والأمكنة والأزمنة والأفعال”.
وبالعودة الى الأنشطة المسرحية المخصصة لأطفال طيف التوحد يرى بن تردايت، وهو أهم المختصين في مجال إدماج الأطفال المصابين بطيف التوحد، حيث تحصل سنة 2023 على الجائزة الوطنية لحقوق الطفل عن سنة 2021 التي تخصصها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وذلك عن مشروع “إدماج الأطفال ذوي طيف التوحد”، إنها ” قد تكون مجرد العاب وحصص لا تؤدي بالضرورة إلى عرض مسرحي. بل تستخدم لتنشيط الأطفال لما تحتويه من تنوع في المحتوى مثل الموسيقى والحركة والتعبير اللفظي وكتابة النصوص وصناعة العرائس والأقنعة والتلوين والقص والتركيب وغيرها, وهو ما يتيح للمنشط استخدام طرق متنوعة من الأنشطة يجد من خلالها الطفل ما يستجيب لحاجياته”. كما يعتبر مؤسس هذا الملتقى أن المنشّط أو المرافق للطفل المصاب بطيف التوحّد يلعب دورا محوريا في عملية العلاج بالمسرح من حيث أنه “المحرض على اللعب والضامن لمواصلة النشاط والمبادر بالمقترحات والحارص على التقييم والمتابعة”.
وبالعودة الى تجربة “مختبر إرادة في إدماج اضطراب التوحد باستخدام الفن المسرحي” وهي تجربة رائدة ونموذجية أسسها المسرحي زهير بن تردايت سنة 2017، يقول المحاضر أن هذه التجربة التي انطلقت مع ستة أطفال مصابين بطيف التوحّد تم الاعتماد فيها على أسلوب الملاحظة والتشخيص العميق بعيدا عن أي تقييم. حيث تم تتبع أنشطة هؤلاء الأطفال وسلوكياتهم خلال ثماني حصص مما مكن من الانتباه إلى حاجاتهم وإلى الصعوبات التي يجدها المؤطرون في التعامل معهم من ذلك الإفراط في الحركة وارتخاء العضلات وتشتت الانتباه وعدم القدرة على الكلام. ومن ثمًّ تمّ الشروع في انجاز ألعاب مرتبطة بأنشطتهم اليومية مثل الزامهم بالقفز للحصول على الشيء المراد تقديمه لهم والذي تعودوا أخذه بسهولة من أجل خلق نوع من الدافعية او التحفيز لديهم وهو ما ساعد في التقليص من هذه الاضطرابات وتحقيق نتائج جدّ مرضية انطلاقا من الايمان بأن “لا سبيل لإخراج طفل التوحّد من عزلته الا عبر الولوج الى عالمه والأخذ بيده لإخراجه الى عالمنا”.
من جهة أخرى وفي بعد آخر من أبعاد هذه التجربة الرائدة يرى زهير بن تردايت أنه تم تشكيل “فضاءات وهمية وأمكنة وأزمنة وشخصيات، لا هي أمكنتنا ولا هي أمكنته كنها لها علاقة بأمكنتنا وبأمكنته ذلك أن القصة وهمية لكن بطلها هو ذلك الطفل الساعي الى المحافظة على شخصه واسمه في مواجهة الوحش وهو كل شعور بالخوف قد يعطل انطلاقته. إنه لعب أدوار تؤهل الطفل للتجاوب مع وضعيات مستقبلية”. ولعلّ ما ميّز هذا المختبر أو هذه التجربة وساهم في تحقيق نتائج مبهرة هو ظمُّ هذا العمل لأطفال من ذوي طيف لتوحّد ومصابين باعاقات متنوّعة ومختلفة مع أطفال أصحّاء. وقد انبنى هذا الطرح بحسب زهير بن تردايت من منطلق أن وجود أطفال من غير الحاملين لطيف التوحّد سيدفع الطفل إلى التماهي والتجاوب معهم وهو ما تم تحقيقه فعلا على أرض الواقع. فكانت النتائج إيجابية جدا.
وفي هذا الإطار انتقد المحاضر رفض بعض المدرّسين والمشرفين على المِسسات التربية لرفضهم لإدماج الأطفال من حاملي طيف التوحّد داخل الأقسام بحٌجة صعوبة التعامل معهم والحال أنه من المفروض إدماجهم حتى يكتسبوا القدرة على التواصل مع محيطهم الخارجي والتفاعل مع نظرائهم من الأطفال الاصحّاء.
وعن مختبر “إرادة 2” يقول بن تردايت “إنه انطلق مع طفل كان دائما يغطي رأسه ويرفض النظر في عيني الآخرين حيث انطلقنا معه في انجاز ألعاب تعتمد التركيز”، وهي ألعاب تمت تجربتها خلال الورشات التي انتظمت على هامش الملتقى. وأشار بن تردايت أنه بفضل هذه التجربة نجح هذا الطفل من تجاوز هذا المرض وتخلص نهائيا من الاصابة بالتوحّد ليصبح أحد أبطال المسرحية التي تم ادماجه فيها خلال فترة العلاج وهي مسرحية « انا لي حلم » والتي سيتم عرضها في العاصمة الفرنسية باريس وهي مسرحية نجح خلالها مجموعة من “ذوي الهمم ” في قطف الأزهار وعبور الجسر وتحقيق الأحلام.
من أجل طرق مبتكرة لا تعتمد على المراكز المنغلقة
اتّسمت مداخلة الدكتور الصادق جبلون، المختص في علم نفس الطفل والمراهق والذي لديه تجارب هامة في التعامل مع المصابين بطيف التوحّد، بالاقتضاب الشديد ذلك أنّه اعتبر أن لا فائدة بالعودة الى التنظير والحال أن التجارب التي تم عرضها كفيلة بأن تحقق الأهداف المرجوّة. وعرّج الدكتور جبلون على أهمية هذه الطرق العلاجية في تحسين وضعية الأطفال ذوي طيف التوحّد حيث أن العديد من الأولياء عبروا عن إيجاد “الملجأ لهم ولأبنائهم من خلال التعامل مع أساتذة يعتمدون طرقا بيداغوجة لا تعتمد على بيداغوجيا التكرار الممل للنهي والتشجيع والعلاجات من قبيل ABA ( analyse comportementale appliquée) .”
ولم يخف الدكتور الصادق جبلون أسفه من عدم القدرة أحيانا على إيجاد الحلول أمام بعض الوضعيات الصعبة مشيرا الى أن معظم مراكز التأهيل ترفض استقبال الأطفال ذوي طيف التوحّد أو تستغل وقوع حدث عارض من أجل التخلص من هذا الطفل وطرده. وفي هذا السياق استنكر المحاضر تغليب بعض المراكز الجانب الربحي على الجانب التأطيري والاجتماعي والإنساني في متابعة الأطفال المصابين بهذا النوع من الإعاقة داعيا الى ضرورة إيجاد ” طرق مبتكرة لا تعتمد على المراكز المنغلقة التي قد تبدي أحيانا استعدادها للانفتاح على نواد الموسيقى أو المسرح ولكن في إطار ذرّ الرماد على العيون” وليس من منطلق سياسة واضحة المعالم أو اقتناع تام بأهمية هذه الطرق العلاجي في تنمية قدرات الطفل.
الدليل الرسميّ للمربيّ من أجل دمج الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في مؤسسات الطفولة
في ختام هذه الندوة العلمية قدّمت وحيدة اليعقوبي عن وزارة الأسرة والطفولة التي أصرّ ممثلها على الصعيد الجهوي على مقاطعة هذا النشاط الرائد والهادف في خطوة غير مبررة وغير مفهومة، دليل المربيّ “نحو دمج الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في مؤسسات الطفولة”، وهو دليل وضعته الوزارة على ذمّة المربّين والمعلّمين والمنشّطين.
ويقدّم هذا الدليل الذي تمّ إنجازه في إطار شراكة مع الجمعيّة التونسيّة للطبّ النفسي للأطفال والمراهقين العديد من المعطيات المتعلقة بهذا المرض متضمّنا “بيانات وشروحات تفصيليّة ومبسّطة حول اضطراب طيف التوحّد وأعراضه وكيفيّة تشخيص أعراضه وخصائص الأطفال المصابين به وكيفيّة استقبالهم ومرافقتهم بمؤسسات الطفولة المبكّرة الدامجة”.
كما يوفّر هذا الدليل الذي تم إطلاقه يوم 2 أفريل الجاري، “للمربين والمنشّطين بمحاضن ورياض الأطفال والمعلّمين في المدارس الابتدائيّة توجيهات علميّة بخصوص كيفيّة تعاملهم مع مختلف الصعوبات لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحّد على المستويات السلوكيّة وصعوبات الاندماج والتواصل والتعلّم، إلى جانب بيان الممارسات الفضلى للمربّي وأدواره الأساسيّة ضمن شبكة المتدخّلين المعنيين بالطفل ذو طيف التوحّد”.